الرّطب. وقيل إن الحكمة في أن الرّطب ما تساقطت عليها بلا هزّ وتحريك ، هي كي يعلم العباد أن عادة الله سبحانه جرت على أن الرزق المقسوم لا يحصل إلّا بالكسب والجهد ، وفي الحديث : الحركة توجب البركة ، وفي الكافي أنّ الصادق عليهالسلام كان يتخلّل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضّأ عندها ثم ركع وسجد ، فأحصي في سجوده مائة تسبيحة ، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ، ثم قال : إنها والله النخلة التي قال الله تعالى لمريم : وهزّي إليك .. الآية .. (تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) أي تنزل عليك رطب التّمر اليانعة السهلة الاجتناء.
٢٦ ـ (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) ... أي : كلي من الرّطب ، واشربي من ماء السّري ، وكوني مهنّأة مرتاحة البال قريرة العين هادئتها بهذا المولود المبارك ، ولتكن دمعة السرور باردة في عينيك (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أصل الفعل ترأيين ، حذفت الهمزة عند الاستعمال للتخفيف ، وكذا الياء التي هي ضمير المؤنّث ، وحرّكت الياء لالتقاء الساكنين : وهما الياء والنون الأولى. والنونان : إحداهما نون الرفع ، والأخرى نون التوكيد. وإن : شرطيّة. أي : إذا ما رأيت آدميّا ـ كائنا من كان ـ إن استنطقك وسألك عن ولدك هذا (فَقُولِي) له : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ومعنى نذرت : أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلّم ، لأنني أمرت بالصّمت ، ذلك أنه يكفيها كلام ولدها عليهالسلام بما يبرّئ به ساحتها. وهذا يسمّى بصوم الصّمت ولا ينافيه الأكل والشرب ، وقد نسخه الإسلام وهو غير مشروع عندنا. وقيل تحقق هذا الصوم بعد الإخبارية أي بالنّذر ، وقيل إنها أخبرتهم به بالإشارة وبأنه منذور ، وهذا القول خلاف ظاهر الآية الكريمة.
* * *
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما