بالخوف من النبيّ صلىاللهعليهوآله ومن أصحابه فقد تركت قريش تجارتها مع الشام خوفا من سطوة المسلمين وهيبتهم لأنهم كانوا يغيرون على قوافلهم ويأخذون أموالهم ويأسرونهم بعد الهجرة وبعد أن دعا عليهم النبيّ (ص) بقوله : اللهم اشدد ووطأتك على مضر واجعل عليهم سنين كسنيّ يوسف. وقال مجاهد وقتادة بذلك أيضا ولكنه قيل غير ذلك ، وأنّ المثل يتناول ما كان قيل نبيّنا (ص) من الأمم السالفة التي طغت وبغت فأخذها الله تعالى بالآيات .. ولا يخفى أن في الآية الكريمة استعارة لطيفة هي أنه سبحانه (أذاقها لباس الجوع) فالجوع يذاق ولكنه عبّر عنه باللباس ، مكيّنا به عن أثر الجوع والهزال والشحوب وتغيّر اللون منه ومن الخوف. فكأنّ الجوع والخوف كانا يظهران على الناس كاللباس الذي يحيط بالبدن.
١١٣ ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ) ... يعني أهل مكة الذين بعث الله تعالى إليهم رسولا هو منهم في الصميم ، وهو من أشرفهم لا من غيرهم ، إتماما للحجة عليهم ، ومع ذلك كذّبوا بدعوته فابتليناهم ب (الْعَذابُ) وسلّطناه عليهم ونصرناه وخذلناهم (وَهُمْ ظالِمُونَ) له ولأنفسهم ، فجزيناهم بعذاب القحط والخوف والقتل في يوم بدر وغيره.
ولا يخفى أن إرسال رسول منهم أصلا وعرقا ولغة هو من منن الله سبحانه عليهم ، وكان ينبغي لهم أن يؤمنوا به وأن يشكروا الله تعالى على أنّ رسولهم لم يكن من غيرهم ولا من الملائكة ولا من الجن ، وقد بيّن سبحانه هذه المنّة عليهم في الآية ١٦٣ من آل عمران حين قال عزّ من قائل : لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم .. فالحمد لله على ذلك لأن فيه منافع لا تحصى ولا يدركها إلا من كان من غيرنا ، فله الحمد مكرّرا.
١١٤ ـ (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) ... أي : كلوا ذلك أكلا هنيئا مباحا لكم لأنه سبحانه جعله محلّلا لكم طيّبا : مطهّرا من الرّجس ومن كل