وأما مسألة عيسى عليهالسلام ، والقول ببنوّته له تعالى ، فهو أقرب من الملائكة إلى الأذهان الساذجة ، لأنه سبحانه أضافه إلى نفسه بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي). وهو في ظاهر الأمر ليس له أب ، والولد لا بد له من والد ، وهو هنا لا يكون إلّا الله ، وغيره لا يناسبه. فبهذه التخيلات والتسويلات قالوا بأنه ابن الله.
وأمّا وجه بنوّة العزير له تعالى ، فقد قيل لأنه قام بتلاوة التوراة عن ظهر قلب بعد ما أحرقت وأعدمت ، فزعموا ـ بعد ما جاء بها ـ أنه ابن الله ، ولذا اختصه الله بهذه المنزلة العظيمة من حفظ التوراة ، وأجرى على يديه هذا الأمر العظيم ولم يجره على يد غيره. والحاصل أنهم بمثل هذه التأويلات والتلفيقات الشيطانية المردودة ، خرجوا عن الصراط المستقيم ودخلوا في الضلالة الأبدية وباءوا بغضب من الله ومآلهم إلى الدرك الأسفل من الجحيم.
٩٣ و ٩٤ و ٩٥ ـ (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ... إن هي مخفّفة إنّ ، فإنّ كل كائن عاقل في السّماوات أو في الأرض هو عبد داخر لله عزوجل ، ويأتي يوم القيامة خاضعا لربوبيّته مذعنا لحكمه (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) حسبهم وعرف عددهم بأشخاصهم وأعيانهم واحدا واحدا ، وأحصى أنفاسهم التي قدّرها لهم في دار الدّنيا ، وعلم ما كان من كلّ واحد منهم ، ولم يشغله معرفة واحد عن معرفة الآخر ، فأفعالهم مكتوبة وأمورهم محصيّة ، لا يخرج شيء منهم ومن أعمالهم عن دائرة علمه وحوزة إحاطته وحيّز قدرته (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) يجيئون بين يديه واحدا واحدا فيحاسب كلّ واحد كأنه متفرّغ لحسابه عن غيره ، وتتمّ محاسبتهم في آن واحد كما يرزقهم في آن واحد ، ولا يعجزه شيء من أمرهم ، كما جاء في مضمون كلام للصادق عليهالسلام.
* * *