وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣))
٦٨ ـ (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) : أي أنهم لمّا عجزوا عن المحاجّة وباءوا بالفشل أمام بيانه الفصيح الجريء ، رأوا أن يعذّبوه بأشد ما يعاقب به الإنسان وقرروا إحراقه بالنار قصاصا على تكسير الأصنام وتبريدا لقلوبهم.
وأمّا قولهم : وانصروا آلهتكم فهو مكيدة كل مبطل في مقام تهييج رأي الهمج الرعاع على إبطال الحق ونصر الباطل. فصوّروا باطلهم حقيقة دينية هامة وأهاجوا العوامّ للاستمساك بها والترويج لها ، ذلك بما ألقى معلّمهم الأول المبتدع لهذه الفكرة الخبيثة ، أعني الشيطان اللّعين الذي وسوس لهم كما وسوس لأبينا آدم عليهالسلام وحلف بأنه ناصح له أمين ، فأزلّه وأخرجه من الجنّة ومضى يغوي الناس من بعده ، ووجد عند هؤلاء الملحدين المبطلين آذانا مصغية ليقفوا في وجه دعوة إبراهيم عليهالسلام ، كما وقف غيرهم في طريق دعوات الرّسل من قبله ومن بعده ، وكما وقف في طريق وصول أهل بيت نبيّنا صلىاللهعليهوآله إلى حقّهم الربانيّ فأجراه المسلمون حسب آرائهم ووفق ميولهم ودحضوه بروايات مكذوبة اخترعوها ، ثم ما زال يغوي الناس كموقفه يوم صفّين حين أغرى برفع المصاحف على يد عمرو بن العاص ، وكموقفه يوم الطفّ من الإغراء بقتل الحسين عليهالسلام ابن بنت النبيّ صلىاللهعليهوآله ظلما وعدوانا ـ أجل جاء الشيطان قوم إبراهيم بهذه البدعة الخبيثة من تحريقه ونصر آلهتهم الزائفة ، فتحمّسوا لها وصرخوا : حرّقوه (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) إذا كانت عندكم قابلية نصر دينكم وطريقتكم ، فهاجوا وماجوا للانتقام منه وجمعوا الحطب أكداسا