أجل ، أمر الله سبحانه نبيّه أن يصرّح لهؤلاء الكفرة أن هذه طريقتي المستقيمة التي أدعو بها الناس إلى معرفة ربّهم وخالقهم ، أدعوهم (أَنَا وَ) يدعوهم (مَنِ اتَّبَعَنِي) من المؤمنين المصدقين (وَسُبْحانَ اللهِ) تنزيها له وتقديسا (وَما أَنَا) لست (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يعبدون غيره معه أو يطيعون الشيطان مع طاعة الرحمان.
* * *
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))
١٠٩ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) ... أي إن كنت رجلا مرسلا من قبلنا ولم تكن ملكا كما طلب المعاندون ، فإننا لم نرسل قبلك إلّا رجالا ـ وهم جميع الأنبياء صلوات الله عليهم ـ وقد كنا (نُوحِي إِلَيْهِمْ) ننزل عليهم الوحي على يد رسولنا الأمين جبرائيل (ع) وهم (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أهل المدن لا من سكان البوادي. وقد أشار سبحانه بهذا التخصيص لاعتبار أن أهل القرى والمدن أعلم وأفهم وأعقل من أهل البوادي وأليق بالإلهام ونقل الرسالة والإفهام ، فلم يبعث الله نبيّا من أهل البوادي قط ، لأنهم أهل جفاء وقسوة ، ولا من النساء قط لنقصان عقولهن وحظوظهن ، والنبوّة مقام رفيع ومنصب إلهيّ روحانيّ شريف ، لا يمنح للأدنياء كمن لم تطب مواليدهم ولو كانوا من أهل الإيمان والعدالة ، ولا للجن لأنهم خلقوا من نار ، ولأن الجنّيّ إذا أظهر معجزة فلربما اعتبرت سحرا لأن الجنّ يعلّمون الناس السحر والشعوذة والكهانة ، فهو ومنصب الإمامة للمنتجبين من الخلق المصطفين من الناس. لأن الله تعالى يباهي