٣٦ ـ (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ... بعد طلب موسى عليهالسلام الذي ذكر له عللا ثلاثا أجابه الربّ المتعالي : قد أجيبت دعوتك وقضيت حاجتك وأعطيت سؤلك الذي طلبته. وعن الصادق عليهالسلام أنه قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فأن موسى بن عمران عليهالسلام خرج يقتبس لأهله نارا فكلّمه الله عزوجل فرجع نبيّا ، وخرجت ملكة سبأ كافرة فأسلمت مع سليمان ، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعون ويعارضون الرّب فرجعوا مؤمنين. ثم إنّه تعالى لمّا أخبره بإعطائه سؤله عقّب بقوله :
٣٧ و ٣٨ و ٣٩ ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) ... أي أن نعمتنا جارية عليك قديما وحديثا وقد عدّدها بقوله : مرة أخرى قبل هذه النعمة التي أوليناك إياها ، وذلك (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) يوم ألهمناها ما كان فيه نجاتك حين ولدتك فخلّصناك من القتل حيث ألقينا في روع أمّك بعد وضعك ما لم يعلم بغير الوحي (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) ضعيه وارميه في الصندوق المستطيل المصنوع من سعف النخل ، قذفا سريعا ولا تتأنّي ولا تتباطي ، والقذف يكون غير وضع الطفل في المهد بلطف وعناية ، لأنه مرمي يكون خلاف راحته والعمل على ما لا يزعجه (فَاقْذِفِيهِ) ارميه أيضا مع ما هو فيه من التابوت (فِي الْيَمِ) في البحر. وهذا الأمر يظهر فيه استعجال الفعل كيلا تهتّم الأم بأمر الرضيع كثيرا لتأمين راحته ولتطمئن عليه نفسها ، فإن الوضع كان على خلاف ذلك فهي لا تأمن على نفسها ولا على رضيعها لأن العسس يدورون ويفتشون عن الحبالى والمقربات ، والحرس يبحثون عن كل نفساء فيذبحون وليدها إذا كان ذكرا ، بل كانت حكومة ذلك الوقت الغاشم تشق بطون الحبالى من بني إسرائيل لقتل أولادهن الذكور ، فلا فرصة للأم بالتفكير براحة ولدها في هذه الأزمة الخانقة ، ولذلك ابتدرها الوحي الكريم برميه في التابوت ، وبرمي التابوت في البحر