حالا ، فجاء هذا التعبير كأحسن وأفصح ما يكون عليه التعبير عن وقت الشدّة والضيق ، يرمز إلى الحرج وخوف الإعدام والهلاك ، ولذا هيأت التابوت بسرعة البرق وألقت رضيعها فيه وأمرت بإلقائه في البحر بلا مهلة وبتمام الاضطراب الظاهر عليها في إتمام تلك المجازفة السريعة التي تأمل من ورائها نجاة رضيعها وسلامته من القتل. أما وحيه سبحانه إلى أمّ موسى فكان إلقاء المطلب في قلبها بحيث يسكن قلب تلك الأم النّفساء إلى مصير رضيعها طالما أنّ الإلهام من الله جلّت قدرته يعدها بنجاته بدليل أن الإلهام الذي نكت في قلبها وعدها بتمام تلك القصة العجيبة وقال : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) أي أن موج البحر وجريان الماء يقذف ذلك التابوت بالساحل : على الشاطئ فلا يغرق ولا يصيبه مكروه. والأمر هنا (فَلْيُلْقِهِ) معناه الخبر الذي زفّه الإلهام لأمّ موسى أي : وسيلقيه موج البحر على شاطئه سالما ، ومثله قوله تعالى : (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) ففي نهاية مطاف التابوت على صفحة الماء يصل إلى الشاطئ ويؤخذ الرضيع من قبل عدوّ لله تعالى. وعدوّ لموسى عليهالسلام في مآل الأمر ومستقبل الأيام ، وهو فرعون. وقد كرّر سبحانه لفظ العدوّ للمبالغة في عداده فرعون قبّحه الله. وهذا الكلام كلّه كان موجّها إلى موسى يذكّره الله تعالى فيه رحمته به ورأفته ، فيقول يوم فعلت ذلك بك لنجاتك ، وأوقعتك في يد عدوّي وعدوّك (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي جعلت في جميع القلوب محبة لك بحيث يحبك كل من يراك في بدء الأمر وختامه حتى أن امرأة عدوّك آسية ، وعدوّك فرعون ، قد أحبّاك وتبنّياك وربّياك في حجرهما وعاملاك بتمام اللطف والمراعاة فكانت تربيتك في بيوت الملك والسلطان بالرّغم من أن فرعون تشأم وتطيّر بأنّك قاتله وأمر بقتلك أولا ، ولكن كثرة الحب لك غلبت على رأيه وصارت مانعة من تنفيذ قتلك ، وكذلك آسية امرأته فقد مانعت أيضا في قتلك والسبب الأقوى في ذلك التصرّف كله كان عن طريق المحبة التي ألقيتها عليك في قلوب الناس وَقد فعلت ذلك كله (لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي لتربّى وأنا راعيك وحافظك. أو أنه سبحانه قصد أن كل ما