إخفاتا ، ولعلّ وجهه أن ذلك يكون أبعد عن الرّياء وأقرب إلى الإجابة. كما أن هناك فرقا في موارد الدعاء ولا سيّما فيما يدعى به لنفسه أو لغيره ، أو أنه يدعى له. ويلاحظ أن دعاء زكريا عليهالسلام كان دعاء شيخ كبير امرأته عاقر ، وقد يستهزئ به الناس إذا سمعوا بذلك ، ولذا أخفت في دعائه ومناجاته حين طلب الولد وهذا لا يعني أنه قصد استحباب الدعاء هكذا بل فعله لأن طلبه كان في أعين الناس عجبا ، ولكن لا يخفى أن الدعاء خفية يكون أشدّ إخباتا وأكثر إخلاصا ـ كما قلنا ـ ولا أحد ينكر ذلك. وعلى كل حال كان دعاؤه عليهالسلام كما يلي :
٤ ـ (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ... قد أضاف الوهن إلى العظم مع صلابته لكي يفهم ضعف جميع أعضائه ، فإن العظم إذا وهن ، أي ضعف ، ظهر الانتكاس في عامّة الجسد من اللحم إلى العصب إلى غير ذلك من أجزاء البدن. فقد ذكر وهن عظمه وضعفه وقال : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أي عمّه البياض وتلألأ فيه الشيب لكثرة بياضه. وكان غرضه إظهار عجزه وتذلّله ، ثم أتمّ : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي بدعائي إيّاك فيما مضى من أيام عمري لم أكن مخيّبا محروما ، بل كنت كلما دعوتك استجبت لي. وهكذا لا تخفى الإشارة إلى أنه تعالى عوّده الإجابة وأطمعه فيها ، ومن حقّ الكريم أن لا يخيّب من طمع به وبكرمه ، وأن لا يحرمه إذا سأله.
٥ و ٦ ـ (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) ... الموالي هنا : هم الذين كانوا يلونه في النسب وهم بنو عمّه. وخوفه إياهم (مِنْ) ورائه ، أي بعد موته ، يعني أنه خاف أن يموت ويرث ماله من لا يبالي بالدّين فيصرفه فيما لا ينبغي إذا كان من يرثه من أشرار بني إسرائيل. وقد قيل كانوا بني عمومته ، وقيل كانوا الكلالة والعصبة ، وعن أبي جعفر عليهالسلام : هم العمومة وبنو العم (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي أنها لا تلد أبدا (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي ارزقني ولدا ذكرا يليني ويكون أحق وأولى بميراثي