(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) أي يرث النبوّة منيّ ومنهم وما هو دونها وأعم منها (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مرضيّا عندك وعند الناس جميعا. وقد قيل إن يعقوب هو ابن ماثان ، وأخوه عمران بن ماثان أبو مريم أم عيسى عليهماالسلام ، وقيل بل يعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم ، والظاهر أنه الأصح ، ولكننا لسنا بصدد تحقيق هذه الجهة لأنها خارجة عن مقصدنا ، ولكننا ذكرنا القولين واقتصرنا الكلام على ذلك.
وفي القمّي أنه لم يكن يومئذ لزكريا ولد يقوم مقامه ، ويرثه ، وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم تعطى للأحبار ، وكان زكريا عليهالسلام رئيس الأحبار. وكانت امرأته أخت أمّ مريم عليهاالسلام بنت عمران بن ماثان. وكان بنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم ، وهم من ولد سليمان بن داود عليهماالسلام. ومن هذه الرواية يستفاد أن قول زكريا عليهالسلام : يرثني ، ما كان منحصرا بإرث النبوّة بل هو أعمّ منها ويشمل الأموال أيضا لأن فيه رئاسة الأحبار وما يلي تلك الرئاسة ممّا ذكرنا من الهدايا والنذور الكثيرة التي ينبغي أن تصرف في وجوه الحلال التي ترضي الله عزوجل. وقد استدلّ أصحابنا رضوان الله عليهم بهذه الآية على أن الأنبياء يورّثون المال ، حتى أن بعضهم اختصّ الإرث المذكور في الآية بالمال دون النبوّة والعلم لأن لفظ الإرث والميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلّا على ما تركه الميت وينتقل منه إلى وارثه ، وهو ظاهرة في الأموال ، بل ولا يستعمل في غيره إلّا على سبيل التوسع والمجاز ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة وليست موجودة في الآية ، بل القرينة على خلافه فإن قوله عليهالسلام في دعائه : واجعله ربّ رضيّا ، يعني : مرضيّا عندك ممتثلا لأمرك ، ومتى حملنا الإرث على النبوّة لم يكن لذلك معنى ، بل كان من اللغو المحض ، لأنه يشبه أن يقول الواحد : اللهم ابعث لنا رسولا واجعله صالحا عاقلا مرضيّا في أخلاقه وأعماله ، فإن هذا الطلب من تحصيل الحاصل إذ