كقولك : وردت البلد الفلاني ، أي أشرفت عليه سواء أدخلت فيه أم لم تدخل. فيمكن أن يكون المراد بالورود هنا هذا المعنى ، ويؤيّده قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها). والثاني من القولين أن ورودها بمعنى دخولها كما في قوله تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) ، وقوله تعالى : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ، ولو كان هؤلاء آلهة ما وردوها. وعن الصادق عليهالسلام في ذيل هذه الآية الكريمة وتفسيرها ، قال : أما تسمع الرجل يقول : وردنا ماء بني فلان؟ فهو الورود ، ولم يدخل. وهذا يؤيّد القول الأول .. فورودها على أي حال كان (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أوجبه الله على نفسه وقضى به وصار أمرا محتوما لا مفرّ منه. وعلى كل حال فإن الورود إذا كان بحسب القول الثاني الذي ذكرناه ـ أو مهما كان عامّا ـ فقد يخصّص بآية ما ، كالآية الشريفة التي ذكرناها من سورة الأنبياء ـ ١٠١ ـ : إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، لأن آيات القرآن يفسّر بعضها بعضا ، ولا نحتاج عند ذلك إلى تأويلات. وحتى بحسب القول الأول فان هناك مخصّصا في قوله سبحانه : مبعدون ، لا يسمعون حسيسها ، فإن ظاهرها مناف للإشراف أو الوصول إلى قربها أو الدخول فيها كما لا يخفى .. وقد قيل أيضا : لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا ويدخلها ، فتكون على الأبرار بردا وسلاما ، وعلى الكّفار عذابا أليما ، ولا يلزمنا أي محذور إن أخذنا به لأن الله تعالى قادر على كل شيء وقد جعل النار على خليله إبراهيم عليهالسلام بردا وسلاما في عالم المحسوس الملموس الذي لم ينكره أحد .. بل لعلّ بعض المؤمنين يعذّبون بمرتبة خفيفة أو وسطى من العذاب لتكفير ذنوبهم وتطهرهم مقدمة لإدخالهم إلى الجنّة.
٧٢ ـ (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) ... حاصل هذا الكلام أن المتّقين ناجون من جهنم وعذابها ، وأن الكافرين معذّبون خالدون فيها ، ومن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، فسنخلّص المتّقين من عذاب جهنم بقدرتنا