استوفى الأربعين يوما ، وبعد أن نزلت التوراة عليه ، فعاد غضبان : شديد الغضب والهم والغم ، أسفا : متلهفا حزينا لما فعلوه لأنه خشي أن لا يستطيع تدارك أمرهم. وحين وصل إليهم (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) أي عاتبهم بقوله : ألم يضرب ربّكم موعدا ينزّل فيه التوراة عليكم لتكون كتابكم المقدّس ودستور حياتكم ونظام عيشكم لتعلموا ما فيها وتعملوا به؟ فلم فعلتم خلاف ما وعدتموني به من الثبات على ديني واللحاق بي إلى جبل الطور (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) هل طالت إقامتي وأنتم تعلمون مقدارها (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) أم قصدتم أن تبوؤا بغضب الله وسخطه فتأخرتم عن متابعتي واللحاق بي إلى جبل الطور؟ ...
٨٧ ـ (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) ... فأجابوه : ما تأخرنا عنك وعن الموعد معك باختيارنا (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) بل حملنا أثقالا من حليّ القبط التي كنّا استعرناها منهم يوم عيدنا وبقيت معنا ، أو هي زينة القبط التي قذفها البحر مع القبط فأخذوها (فَقَذَفْناها) ألقيناها في النار بتسويل السامريّ ، وقيل بعيدا بأمر هارون (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) أي وألقى السامريّ شيئا في النار كما ألقينا نحن الزينة فيها :
٨٨ ـ (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) ... فصنع لهم السامريّ من الزينة الذائبة تمثال عجل له خوار ، أي جؤار وصوت خشن ، وقد تمّت هذه الصورة بأن وضع السامري قبضة من التراب كان قد قبضها من تحت حافر فرس جبرائيل عليهالسلام وهي تربة الحياة ، فامتزجت مع الزينة الذائبة وخرج تجسيم عجل ضخم يصوّت كصوت الخوار لأن الريح كانت تمرّ في فمه وأنفه وتجتاز جوفه فتحدث ذلك الخوار (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) فافتتنوا به وقالوا هذا ربّنا وربّ موسى (فَنَسِيَ) قيل إن الضمير راجع لموسى ، أي أن موسى نسي هذا العمل وذهب يطلب ربّه عند الطور فأخطأ في طريق طلب الرّب ، فيكون : نسي هنا بمعنى : ضلّ أو ترك الإله