الذي يفرّق بين الحق والباطل ، وهو التوراة ، وأعطيناهما إياه فرقانا (وَضِياءً) نورا يهتدي به أتباعه إلى الحق وينجيهم من الضلالة والجهالة وظلمات الوهم والحماقة (وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) أي عظة ونصحا للذين يعملون به ويلتزمون بما فيه ، فذكر ثلاثة أوصاف للتوراة ، ثم وصف المتّقين فقال سبحانه :
٤٩ ـ (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ... أي الذين يحذرون الله حالة كونه غائبا عن أبصارهم وعن جميع حواسّهم ، ولكنهم مصدّقون بوجوده ويخافون حسابه وعقابه (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) خائفون من قيام الساعة ويوم النشور ، ومن الأهوال في ذلك اليوم ومن شرّ ما ينزل فيه بالظالمين والكافرين من سوء العذاب.
وبعد ذكر التوراة أخذ بذكر القرآن الكريم وصفه وبيان إنزاله من عنده فقال جلّ وعلا :
٥٠ ـ (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) ... أي : وهذا القرآن أنزلناه من عندنا لتذكيركم ووعظكم ولبيان كل ما يحتاج الناس إليه في أمور دنياهم وآخرتهم ، حيث إنه كتاب جامع لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلّا أحصاها ، لأنه خاتم الكتب السماوية وفيه علم الأوّلين وعلم الآخرين وهو دستور كامل للعالمين من الآن إلى يوم الدّين ، يوم لقاء الله عزوجل ، وهو كتاب شريف مبارك ، كثير خيره عميمة فائدته لا يوصف غيره بما يوصف به من العظمة والإعجاز والجلال (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) فهم أنتم تنكرونه وترفضونه؟ وهذا استفهام توبيخ وتعيير وتحقير ، يعني أن اليهود والنصارى وسائر الأمم السالفة قبلت كتب رسلها السماوية ولم تنكرها ، فكيف لا تقبلون أنتم كتابكم الشريف المبارك الذي هو أحسن الكتب وأشرفها وخيرها من حيث جامعيّته لكل ما يحتاج إليه منذ عهدكم إلى يوم القيامة؟ .. فوا أسفا على مثل هذه الطغمة الجاحدة المعاندة ، وو أسفا أن يقف هؤلاء الأجلاف مثل هذا الموقف القبيح من هذا الكتاب الكريم