أهلها وعن الناس واختارته شرقيّ بيت المقدس أو شرقيّ منازل أهلها ، مواجها للشمس إذ كان الوقت شتاء شديد البرد (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) جعلت بينها وبينهم سترا يحجز من رؤيتها (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) فبعثنا لها جبرائيل عليهالسلام ـ والإضافة الى نفسه تعالى تشريفيّة ، والتعبير بالرّوح لكمال اتّصاله به سبحانه وقربه منه ، كما أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول : فاطمة روحي التي بين جنبيّ لشدة محبّته لها سلام الله عليها ، وهذا التعبير معروف ومتداول بين الناس ـ (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) أي تصوّر بصورة آدميّ تامّ الخلق سويّ ، وقيل غير ذلك أقوال كانت رجما بالغيب لأنه خلاف ظاهر الآية لأنّ وجه تمثّله بصورة البشر كان لكي تأنس إليه ولا تنفر منه وترتعب إذا رأته بغير الصورة التي تألفها. وحين رأته :
١٨ ـ (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) : فمريم عليهاالسلام لمّا رأت جبرائيل عليهالسلام في ذلك المكان استعاذت بالله منه ، واتّقته بالله واستجارت به عزّ وعلا ، وقالت : اعتصمت بالله منك (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) مطيعا لله متجنّبا لما يغضبه .. فلمّا رأى جبرائيل عليهالسلام خوفها واستيحاشها :
١٩ ـ (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) ... أي أنا مرسل إليك من الله تعالى (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) لأمنحك من الله تبارك وتعالى ولدا ذكرا طاهرا من الأدناس ، أي من الشّرك وجميع الذنوب. وقال ابن عباس : المراد بالزكيّ هو كونه نبيّ. وعلى هذا يصير الكلام من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم وتسمية الملزوم باسم اللازم. فتعجّبت مريم عليهاالسلام من قول جبرائيل عليهالسلام ، ثم :
٢٠ و ٢١ ـ (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ... كيف يكون لي ولد ، وكيف يتم هذا الأمر (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) والحال أنني لم يتزوّجني إنسان زواجا مشروعا. والمسّ هنا كناية عن النّكاح المشروع في عرف الشرع وذلك كقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ، وقوله سبحانه : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ، كما أن