الكاملة إلّا بما فسّرنا المراد من كلامها من العدم الأزليّ حتى لا يكون لها ذكر في دار الدنيا أبدا ، وقد بيّنّا أن النّسي ـ بكسر النون ـ هو الذي لا يعبأ به لغاية حقارته فكأنّ وجوده لم يكن حاصلا ، وكأنّه في حكم العدم الصّرف .. ويمكن أن يكون مرادها : يا ليتني لم أكن معروفة مشهورة بحيث لا يعرفني أحد من الناس ، وكانت حياتي كالممات ووجودي في حكم العدم لانعدام ذكري وأثري بين الناس.
وعلى كل حال ، قال ابن عباس : فسمع جبرائيل عليهالسلام كلامها وعرف حزنها (فَناداها مِنْ تَحْتِها) وكان في أسفل جبل كان هناك ، أو أن المنادي كان عيسى عليهالسلام فإنه قال لمّا رأى حزن أمّه : (أَلَّا تَحْزَنِي) أي لا تغضبي من هذا الإكرام أو الإجلال الذي أعطاك الله إياه واختصّك به ، وهو تعالى يحفظك مما تخافين منه وينزّهك من اتّهام الناس إياك ، وهو خير الحافظين وخير المنعمين عليك ، وممّا أنعم به أنّه (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) أي جعل تحت قدميك جدول ماء عذب تشربين منه وتتطهّرين. وروي أنه كان هناك نهر قد جف ماؤه وانقطع ، ولكنّ الله سبحانه قد أجراه بقدرته لحاجة مريم عليهاالسلام ، ثم أحيا جذع النخلة اليابس حتى أورق وأثمر. وقيل إن السّريّ هو الشريف الرفيع القدر ، وهذا يعني عيسى عليهالسلام الذي ناداها من تحتها ، وهو من هو في شرفه وعظمته. ومن معناه الأول ـ أي النهر ـ قوله صلىاللهعليهوآله : مثل الصلاة فيكم كمثل السّريّ على باب أحدكم ، يخرج إليه في اليوم والليلة فيغتسل خمس مرات ، فهل يبقى على جسده شيء من الدّرن؟ ـ الوسخ ـ .. وكذلك الصلاة إلخ ..
٢٥ ـ (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ... فقد نوديت مريم عليهاالسلام بما ذكرناه من تهدئة بالها ، ثم خوطبت بما أنعم الله تعالى عليها يومئذ من ثمر النخلة فقيل لها : حرّكيها واجذبيها إلى نفسك. والباء زائدة ، أي : هزي جذع النخلة. وقد قال الباقر عليهالسلام : لم تستشف النّفساء بمثل