والقول الصواب (فِي) تعبير (رُءْيايَ) ما رأيته في منامي (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أي إن كنتم عالمين بتفسيرها وتأويلها.
ففكّروا في هذه الرؤيا العجيبة ، وعجزوا عن تفسيرها وجمدت قرائحهم عن الخوض في تأويلها ، عندئذ :
٤٤ ـ (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ... أي مجموعة منامات مختلطة لا يتميّز بعضها من بعض. والضّغث : قبضة الحشيش المختلطة رطبا ويابسا ، أو القبضة من القضبان الصغار التي يضرب بها. والأحلام جمع حلم ، وهو ما يراه النائم في نومه وقد شبّهوا أحلام الملك بالأضغاث لاختلاطها وتعسّر تمييزها ، ولأنها بادئ ذي بدء لا تتميّز فيما بينها ولا يعرف بعضها من بعض ، فقرّروا أنها خواطر كاذبة قد أضيفت بعضها إلى بعض واختلطت لتؤلّف مجموعة من الرؤيا الكاذبة ، فلا محصّل لها حتى يكون لها تعبير وتأويل (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) التي هي على هذا الشكل المختلط (بِعالِمِينَ) ولسنا بمعبّرين للأباطيل أيها الملك.
لكنّ الملك لم يقتنع بقولهم ولا اطمأنّ إلى تقريرهم ، بل اعتقد جازما أن لرؤياه تعبيرا مهمّا لم يتوصّلوا إلى معرفته ، فاغتمّ واهتم .. فلما رآه الساقي مهتمّا مضطربا من رؤياه ، غير مستريح إلى قول كهنته وحكمائه الذين ظهر عجزهم تذكّر يوسف عليهالسلام وتعبيره الصادق للرؤيا ، وفطن لما حدث معه ، فقال :
* * *
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً