المرأة إذا حاضت ، هو قول بخلاف الظاهر ، لأن الهاء هذه ضمير عائد ليوسف (ع) بقرينة ما قبله من قوله تعالى : رأينه ، وبقرينة ما بعده من قوله سبحانه : ما هذا ، إشارة إلى يوسف (ع) نفسه ، وقوله عزوجل : إن هذا .. والحاصل أن النسوة لمّا رأينه تعجّبن من فتنته التي لم تخطر ببالهنّ وقلن : (ما هذا بَشَراً) أي ليس يوسف من سنخ النّاس المعروفين في الخلق ولم يعهد في البشر هذا الحسن وهذه العفة. وقد تركّز في الذّهن أنه ليس في المخلوقات أجمل من الملك ولا أقبح من الشيطان ، فإذا (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) أي ملك يزيد على الملائكة بأنه كريم الطبع فكأنهنّ بالغن في وصفه بالحسن كالملك وزدن على ذلك بأنه كريم لأنه لم يلتفت إليهنّ مع أنهنّ كنّ من أجمل نساء عصرهنّ ، وكنّ في أجمل زينتهن وأكملها ، بحيث لا يمكن لبشر أن يغضّ طرفه ويصرف نظره عنهنّ وهن بهذه الفتنة. لذا عرفن بعقيدتهن أنه بريء من القبائح والشهوة النفسية والهوى المضل ، فنزّهنه عمّا يلوّث البشرية ويؤثّر في الإنسانية ، ونسبنه إلى الملائكية صونا له عن الخطأ فجزمن بكونه فوق ما تصوّرن وفوق ما خطر لهنّ قبل رؤيته ، وجمدن في مجلسهنّ كأنهنّ عذرن زليخا بمراودته عن نفسه ، فاستظهرت عليهن حينئذ وصارحتهن برأيها.
٣٢ ـ (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ... أي أنها حين رأتهنّ مبهورات من حسنه وجماله ورونق فتوّته قالت لهنّ : هذا هو الذي تعذلنني على مراودته عن نفسه والتصدّي له. (وَ) أنا أعترف لكنّ أنني (لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) وطلبت منه مجامعتي (فَاسْتَعْصَمَ) أي امتنع وعاذ بالعصمة عن هذه الزلة. (وَ) لكنني أقول أمامكن (لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ) يعمل (ما آمُرُهُ) به من مضاجعتي ، مقسمة (لَيُسْجَنَنَ) أي يحبس مؤكّدا (وَلَيَكُوناً) يعني : ليكونن ، وقد وضعت ألف التنوين مكان النون الثانية الساكنة لمشابهتها في اللفظ ، أي ليصيرنّ (مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلاء الذين يحلّ بهم الصّغار والاحتقار.
وقيل إن النسوة اللائي حضرن في ذلك المجلس قد راودت كلّ واحدة