منهن يوسف عن نفسه بعد أن فارقن المجلس ، واستعملن معه وسائط وعناوين كثيرة وبذلن محاولات عديدة فاستعصم وامتنع أشد امتناع وضجر من الوضع الذي عاشه أثناء تلك الفترة في ذلك البيت. فلما يئسن منه عليهالسلام جئن إلى زليخا مفتنات وقلن لها : إن كنت تريدين أن تصلي الى غايتك منه وأن يفعل بك ما أردت منه فلا بد من سجنه أياما قلائل ليحس بالضيق ويتأذّى فيذعن لأمرك ولا يخالف رغبتك. فقبلت وعزمت على حبسه وجاءت إلى العزيز ـ زوجها ـ وقالت : قد اشمئزت نفسي من هذا الغلام العبري وقد افتضحنا في المجتمع وأصبحنا نذكر في المحافل بالسوء ، فإن أمر الملك بحبسه فقد يرفع عنا القيل والقال وقد ينحصر الظنّ به وأرتاح من ملازمته لي وأخلص من ملامة الناس. فقبل العزيز كلامها وأمر بحبسه.
ولا يخفى أن زليخا تمكّنت بهذا المسعى من تبرير موقفها أمام النسوة من جهة ، ومن جعل الأمر يلتبس على العزيز بعد إظهار اشمئزازها من يوسف (ع) وملالتها من وجوده في بيتها من جهة ثانية ، وخصوصا حين أظهرت ضجرها منه وطلبت حبسه وإبعاده عن وجهها رياء إذ قيل إنما اقترحت له الحبس لأن المحتبس كان قريبا منها ، فأرادت أن يبقى بقربها حتى تراه .. ولا عجب في أن يتمّ حبسه بمجرّد طلب زليخا ، رغم أن العزيز كان ينبغي أن يسجنها هي بعد ما اطّلع على الأمر وفهم الملابسات ورأى بعينه وسمع الشهادة بأذنه ، فهي التي تستحق السّجن لا يوسف الصدّيق سلام الله عليه المنزّه عن الفحشاء بالدلائل التي أوضحت براءته كما أظهرت كذبها عليه. ولكننا قلنا سابقا إن العزيز كان طوع يمين زوجته زليخا لما ابتلي به من عنن وضعف في الرجولة ، ولذا لم يجادلها بأمر حبسه مع كونه منزّها بنظر العزيز نفسه.
* * *
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ