للمسير تحرّكت عنده الرحمة والشفقة ، وحنّ عرق الأبوّة العطوفة ، فخاف عليهم من العين لأنهم أحد عشر رجلا ، شباب وكهول ذوو جمال وجاه وهيبة ورشد ، يبدو عليهم أثر النجابة ساطع البرهان ، ممّا خوّفه من الحسد حين يراهم الناس وحواشي الملك قادمين بهذا الحسن وتلك الكثرة والهيبة فلجأ الى توصيتهم بما يلي :
* * *
(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩))
٦٧ ـ (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) ... أي قال يعقوب (ع) لبنيه : إذا وصلتم إلى مصر وأردتم الدخول إليها فلا تدخلوا جميعكم من باب واحد من أبواب مصر المشرعة لدخول الوافدين عليها ، إذ قيل إنه كان لمصر أربعة أبواب كبيرة للواردين عليها والخارجين منها. وقد اشتهر أمر أبناء يعقوب (ع) هناك أنهم من ذوي القربة والتكرمة من الملك وخاصّته وقد كان لهم ما لم يكن لغيرهم فخاف عليهم الإصابة بالعين كما قلنا وأوصاهم بالدخول من أكثر من بابين قائلا (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) منبّها إياهم أن تحذيره لهم من باب الحيطة عليهم ولكن التحذير لا