وانعكاسه وتردّده فيما بينها كما هو المسموع والمحسوس دائما عند أهل الجبال فإنهم يلاحظون ردّ الصدى جليّا ، كما أن هذه الظاهرة تلمس داخل القباب العالية السقوف وداخل المساجد الواسعة وخاصة في مسجد أصفهان الذي بردّ صدى الصوت مرارا مكرّرة. وهذا معنى المعيّة في قوله تعالى لأن الصدى يبدأ مع بدء الكلام مقارنا له ، وينتهي بعد انتهائه كما هو المعروف. ويؤيّد هذا المعنى ظاهر الرواية المزبورة عنه عليهالسلام (إلا جاوبه) والمجاوبة هي ردّ الكلام وإرجاعه. وفي بعض الروايات : لا يبقى شجر ولا مدر إلّا سبّح معه
، فالظاهر من تسبيحها هو إيجاد القوة الناطقة بقدرته الكاملة كما في شجرة موسى عليهالسلام على ظاهر الشريفة هناك : إنّي أنا الله .. إلخ .. (وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي كنّا نحن فاعلين ذلك بقدرتنا ، فليس مثل هذا الأمر الذي هو إيجاد الكلام وخلقه في تلك الأشياء بأية كيفية شئنا ، ليس ببديع ولا عجيب عندنا وإن استغربتموه أنتم ، فإن ديدننا أن نفعل تلك الأمور في مواقعها وإن كانت عقولكم لا تدرك حقيقتها.
أما تقديم الجبال على الطّير مع أن القاعدة تقتضي العكس لشرافة الحيوان على الجماد ، فلأن تسخير الجبال وتسبيحها أعجب وأكثر في الدلالة على كمال القدرة وتمامها ، وأدخل في إعجاز داود عليهالسلام وعلى نبيّنا وأهل بيته أفضل الصلوات والسلام.
٨٠ ـ (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) ... اللّبوس الذي علّمه سبحانه صنعته هو الدّرع ، والجارّ في : لكم ، إما متعلّق بالعلم يعني أن التعليم كان لأجلكم حتى تنتفعوا به في الحروب فإن الدرع حافظة لكم ، وإما صفة للّبوس ، والنتيجة واحدة تقريبا ، فقد علّمناه صناعة الدّرع الحديدية الواقية في الحرب (لِتُحْصِنَكُمْ) تمنعكم وتحميكم ، وهو بدل اشتمال من : لكم (مِنْ بَأْسِكُمْ) أي من وقع السلاح وتأثيره فيكم. وقيل معناه : من حربكم ، أي في حالة الحرب والقتال تمنع عنكم شدّة الضرب والطعن ،