لكان من الواجب ان يكون رسولهم بشرا بقانون التجانس والتسانخ كما بيّناه. وفي اللّباب منقول أن كفار قريش قالوا يا محمد من يصدّقك على ما تدّعي ومن الشاهد على رسالتك؟ فنزلت الشريفة :
٩٦ ـ (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً) ... أي أنا لا احتاج إلى غير ربيّ فإنه يكفيني وهو الشاهد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ولا يخفى أن شهادة الله هو إظهار المعجزة على يد النبيّ فإنّها بلسان الحال تنطق بأنّ المتحدّي ومدعي النبوّة نبيّ لأنها تجري مجرى الشاهد بالنبوة وهذا الجواب في الحقيقة تهديد للقوم.
٩٧ ـ (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ... أي من وفّقه الله وكان أهلا للهداية (وَمَنْ يُضْلِلْ) لأنه ليس أهلا للهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) يتولّون الدفاع عنهم وعن مصالحهم (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) فيمشي الكفار يوم الحشر على هيئة مشي البهائم على وجوههم أي على أربع قوائم. وقد سئل النبيّ كيف يحشر الكفار على وجوههم؟ فقال صلىاللهعليهوآله : إن الذي أمشاهم على رجلين قادر على أن يمشيهم على وجوههم يوم القيامة ، عميا وبكما وصمّا لا يبصرون ما تتلذذ به أعينهم ولا يسمعون ما تتلذذ به مسامعهم ولا ينطقون بما ينفعهم ، وهذا جزاؤهم مقابلا لما عملوا في الدنيا لأنهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصامّوا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا به. فيستفاد من الكريمة أنهم يحشرون يوم القيامة وهم كالبهائم في جميع شؤونهم لا أنهم مثلهم في المشي فقط ، بل في قواهم الظاهرية لا يتلذّذون لذة تامّة كما أن البهائم كذلك (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) اي انطفأت وذهب لهبها وخمدت نيرانها وزبانيتها (زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي لهبا واشتعالا بهم بإعادتهم بعد إفنائهم وهذا كقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) إلخ ..
٩٨ ـ (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا) ... أي أن إدخالهم النار وازدياد السعير كلما خبت وخمدت لكفرانهم بالآيات والبراهين الواضحة الدلالة