٣٧ ـ (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ... روي عن عطاء أن نصر بن الحارث كان يستعجل من النبيّ العذاب استهزاء ، فأراد سبحانه أن ينهاه ويزجره عن استعجاله العذاب لطفا منه بعباده حيث يؤخر عذابهم لعلهم يتوبون ويرجعون إليه تعالى.
فعلى سبيل التوطئة ذمّ الله عزوجل الناس على فرط عجلتهم بهذه الآية الكريمة التي هي في أعلى مراتب الفصاحة حيث أدّت معنى راقيا يحمل مبالغة فوق ما يمكن أن يتصوّره البشر في مثل المقام يعني إفراط الإنسان في الاستعجال وقلة تأنّيه في الأمور يبلغ به مرتبة تجعله كأنه خلق من العجل وطبع عليه وأشر به في قلبه لفرط استعجاله وقلة ثباته في المطالب ، وهذا كقولك : خلق زيد من الجود والكرم. ومن جملة عجلة البشر مبادرتهم ومسارعتهم إلى الكفر والإنكار ، واستعجالهم الوعيد ، ولكن مع استفادة هذا المعنى السامي من مفهوم الآية الكريمة ، نراها تحمل الذمّ الكثير.
ولا يخفى أن استعجالنا في أمورنا هو من تراثنا الموروث عن أبينا آدم على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام. ففي القمي أنه لما أجرى الله تعالى الروح في آدم من قدميه فبلغت ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر ، فقال الله عزوجل : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ .. سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي سأجعلكم أيّها البشر تنظرون إلى آياتي الدالّة على وحدانيّتي وعلى صدق محمد صلىاللهعليهوآله فيما يعدكم به من العذاب الذي هو القتل في الدنيا يوم بدر والعذاب في الآخرة (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) فلا تطلبوا مني تعجيل نقماتي بهذه الكيفية من الطلب ولا تقولوا كلّما رأيتم النبيّ أو أحد المؤمنين به : متى يكون حلول الوعد بالعذاب.
٣٨ ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أي يسألون عنه على وجه الاستبعاد والإنكار ، ويقولون : في أي وقت يجيء العذاب الموعود (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تقولون؟ والخطاب موجه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه ، ولكنّ الجواب أتاهم من الله العزيز الجبّار الذي قال :