وأشرفها على الإنسان وقد جعل القلوب سلاطين عليها ومنّ على القلوب بأن جعل مسندها وعرشها القوّة العقلية فبالتعقل تتميّز تلك المستفادات والاستفاضات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون الله على هذه النعم الجزيلة والآلاء الوارفة ، ثم نبّه على النظر في دلائل القدرة بقوله سبحانه :
٧٩ ـ (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) ... ألا ينظر الأوادم ، وقرئ بتاء الخطاب (مُسَخَّراتٍ) أي مذلّلات خاضعات طائرات بأسباب هوائية وآلات جوّية كالأرياش والأجنحة (فِي جَوِّ السَّماءِ) ما بين الأرض والسّماء ولذا كانت محتاجة إلى الإمساك ، وليس الممسك إلّا هو تعالى وإلّا فإنّ كلّ جسم ثقيل بحسب طبعه يقتضي الميل إلى مركزه والسّقوط عليه بلا ممسك من فوقه وبلا دعامة من تحته (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في طيران الطيور المسخّرات في الجو على خلاف طباعها (لَآياتٍ) علامات على ممسكها والمسخّر لها ما جعلها فوق الطبع والطبيعة. ثم بيّن نعمة أخرى من نعمه فقال سبحانه :
٨٠ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) ... السكن ما يسكنه الإنسان ويأنس فيه ويرتاح. فقد جعل لكم مساكن وبيوتا تتخذونها في الحجر والمدر والخشب والحديد وغير ذلك مما تنتقلون إليه وتقيمون فيه آوين إلى الراحة والطمأنينة (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) أي بيوتا من نوع آخر وهي قباب الأدم والخيم والمضارب المتّخذة من الجلود أو الوبر أو الصوف أو الشعر ، فهي بيوت خفيفة الحمل تنقلونها حين ظعنكم : سفركم وحين إقامتكم : مكثكم في المكان (وَ) جعل لكم (مِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) أي ممّا تأخذونه من جلود الأنعام حين جزّ صوفه وقصّ شعره ، جعل لكم (أَثاثاً) فراشا وأكسية (وَمَتاعاً) أدوات تتمتعون وتنتفعون بها (إِلى حِينٍ) إلى وقت الموت أو وقت فنائها. ولأنها تفنى ولأنكم تفنون فلا ينبغي لكم أن تؤثروها على نعيم الآخرة الدائم.