٩٤ ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) : أي ما صرف المشركين عن التصديق بالله ورسوله ، هو معنى الإيمان (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي الحجج الظاهرة الواضحة (إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) دخلت عليهم الشبهة في أنّه لا يجوز أن يبعث الله بشرا رسولا ولا بدّ من أن يكون الرسول من الملائكة ، كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله فوجّهوها إلى الأصنام فعظّموا الله بجهلهم بما ليس فيه تعظيم ، وعبدوا بما فيه المعصية ، فنعوذ بالله من الجاهل المتنسّك. هذا ما قال به بعض أرباب التفاسير ، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك فإن قولهم : أبعث الله بشرا رسولا ما كان من حيث دخول الشّبهة عليهم في أنه لا يجوز أن يكون الرسول من جنس البشر ، بل قولهم هذا من باب الجحد والعناد والعذر غير الموجّه ، فإنهم كانوا عالمين بأنبياء السّلف من آدم على عيسى بن مريم عليهمالسلام. ولو لم يعرفوا لما كانوا يراجعون أحبار اليهود ورهبان النصارى فقد كانوا متعبّدين بأقوالهم. فكيف يمكن أن يقول الإنسان إنّهم لم يعرفوا أنبياء السّلف ولم يسمعوا بآدم وعيسى وموسى وأنهم عليهمالسلام كانوا رسلا من قبل الله تعالى إلى البشر. والحاصل أن قولهم هذا وأمثاله كان من الحقد والحسد والعناد ، لأنهم كانوا مصرّحين بأنه كيف صار يتيم أبي طالب مبعوثا إلينا مع كونه فقيرا يتيما؟
٩٥ ـ (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ) ... أي يا محمّد قل جوابا لهم ، وهذا الجواب من باب التنزّل والمماشاة مع الخصم. وحاصله أن أهل الأرض لو كانوا ملائكة (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) كما يمشي بنو آدم ، وقاطنين متوطّنين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لكان من اللّازم أن يكون رسولهم من الملائكة لأن ذلك مشروط بنوع من التّناسب والتجانس ، أي لا بدّ من تجانس الرسل والمرسل إليهم لأن الجنس إلى الجنس أميل فيمكنهم إدراكه والتلقّي منه. وأما إرسال الملك إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فلتمكّنه من ذلك لقوّة نفسه. فعلى هذا لو كان أهل الأرض بشرا