منه بنيامين قوله ، فإن العهد بينه وبين يوسف بعيد تمام البعد. هذا أولا ، وثانيا : أيّة مناسبة بين يوسف المفقود من زمن طويل ، والمظنون قتله ، وبين عرش الملك والسلطنة الكبيرة التي لم تر عين ولا سمعت أذن ولا خطر على بال أحد في ذلك العصر؟ ولذا ، فأيّ فرح ذاك الذي حصل لبنيامين ، وأي سرور؟ الله وحده يعلم.
هذا وقد قال له : أنا أحب أن تبقى معي وتكون عندي. فقال : إن إخوتي لا يدعوني فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردّوني إليه. قال : أنا أدبّر الأمر ، فلا تنكر شيئا تراه ، ولا تخبر إخوتك. فقال : لا.
* * *
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥))
٧٠ ـ (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) ... أي لمّا هيّأ لهم ميرتهم ومتاعهم ، يعني كال لكل واحد حمل بعير ـ والجهاز هو حمل التاجر ـ (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) أي وضع الماعون ـ الوعاء ـ الذي يكال به في حمل بعير أخيه بنيامين. وكان المكيال من ذهب مرصعا بالجواهر الثمينة ، وقيل إنه قبل استعماله للكيل كان يشرب به ولذا أطلق عليه اسم : السّقاية بهذا الاعتبار. وبعد أن تمّ ذلك حمّلوا جمالهم وانطلقوا في سفرهم وعودتهم