النفس بالملكوت الأعلى ، وبحديث الملك للنفس وحديث الملك صادق ، أما الكاذبة فتكون من حديث الشيطان والشيطان كاذب. فقد قال : رأيت في منامي (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) وعن الإمام الباقر عليهالسلام في تأويل هذه الآية أن هذه الرؤيا تدل على أنه يملك مصر ويدخل عليه أبواه وإخوته ، والشمس هي أمّه راحيل ، والقمر يرمز لأبيه يعقوب (ع) ، والأحد عشر كوكبا هم إخوته ، فإنهم جميعهم لما دخلوا عليه وهو على خزائن مصر ، سجدوا الله شكرا حين نظروا إليه ، وقوله : لي ساجدين ، أي لأجلي ولأجل ما رأوا من عناية الله وتوفيقه كان سجودهم لله تعالى ، وما ينبغي السجود لغيره.
٥ ـ (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) ... أي قال له أبوه : لا تحك هذا الذي رأيته في منامك لإخوتك (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) يعني مخافة أن يدبّروا لك مكيدة بالتأكيد لأنهم حاسدون لك وقد يحتالون عليك لإهلاكك ، ولا مانع أن يغريهم الشيطان بذلك ف ـ (إِنَّ الشَّيْطانَ) الوسواس (لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) واضح العداوة يرميه بالعظائم.
٦ ـ (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) ... أي وبموجب هذه الرؤيا التي رأيتها في منامك ، فسيجتبيك : أي يختارك ربّك ويستخلصك (وَيُعَلِّمُكَ) يفهّمك (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) التعبير عن الرؤيا بشكل صادق جازم يكشف لك فيه وجه الحق (وَ) بذلك (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ) يكمل فضله (عَلَيْكَ) أنت بالنبوّة والسّلطة على خزائن مصر وما تبعها من البلاد ، وبغير ذلك من الأمور العظام كالتعبير عن الرؤيا ، وكتأويل الأحاديث ، فعن قتادة أنه في زمن يوسف عليهالسلام كان تعبير الرؤيا أمرا متعارفا شائعا وكان مدار الفضل والكمال منوطا به ، ولذا جعل الله سبحانه يوسف (ع) وحيد عصره بالتعبير والتأويل ، أي بتفسير الرؤيا الصادقة والتعبير عنها بوجهها المرتقب الصحيح ، وبتأويل الرؤيا الكاذبة التي تأتي من نفث الشيطان اللعين .. فقد قال له أبوه (ع) : إن الله سيتولّى اختيارك ويكمل عليك فضله (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أي أهل بيته الأقربين بأن يجعل منهم أنبياء وملوكا (كَما أَتَمَّها