٥٨ ـ (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) ... جاؤا إلى مصر وهم من سكان فلسطين وحين صار الجدب ، حضروا لأخذ الميرة أي الطعام الذي يمتاره الإنسان ويجلبه من بلد إلى بلد. ودخلوا على يوسف (ع) (فَعَرَفَهُمْ) مع طول العهد (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي لم يعرفوه. وقيل كان بين أن قذفوه في الجب وبين أن دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه إذ رأوه على سرير الملك بثياب الملوك ولم يخطر ببالهم أنه وصل الى مثل هذه المرتبة ، ثم لم يتأملوا صورته مليّا إذ عليه حلية الملوك وهيبة السلطان مضافا إلى حسنه الفتّان الذي يبهر النظر ، ثم إنهم لم يروا في حياتهم ملكا ولا سرير ملك ولا شاهدوا مثل تلك الأبّهة والجلال بين تلك التشكيلات الملوكية من حول يوسف الذي زاده الله بسطة في العلم ومزيدا من الحسن وأدبا وحكمة ووقار نبوّة فتبارك الله أحسن الخالقين ... أجل ، فبمجرّد دخولهم عليه بهتوا ولم ينظروا فيه حق النّظر ولا تأمّلوه مليّا إذ لم يدر في خلد أحد منهم أنه يوسف ، ولذا فإنهم لما تردّدوا على بلاطه وألفوا النظر إليه عرفوه في المرة الثالثة كما سترى قريبا ، أما هو فقد عرفهم للحال لأن اهتمامه كان منصبّا نحوهم حين دخولهم فعرفهم من زيّهم وبعض ملامحهم.
وكان بين يوسف وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما لأن يعقوب عليهالسلام كان يسكن أرض كنعان وكان المقل (١) موجودا في تلك البلاد فأخذ أبناؤه من ذلك المقل ليمتاروا به الطعام. وقد أخفى الله سبحانه يوسف ولم يطلع أباه على مكانه وسائر أموره لأن يوسف نفسه كان مأمورا بستر نفسه وكتمان أمره من عند ربه تعالى.
٥٩ ـ (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) ... أي حينما أعد لهم الميرة المطلوبة وهيأ لهم ما يحتاجون إليه من لوازم سفرهم من زاد يلزمهم في الطريق بعد حسن ضيافة وعناية قال لهم جيئوني بأخ لكم (مِنْ
__________________
(١) المقل هو الكندر الذي يتدخن به اليهود وهو نافع للسعال والبواسير وتنقية الرحم وطرد الهوام وغيرها.