ارمها من يدك واطرحها على الأرض لتعرف قدرتنا ، ولتستأنس بها بعد معرفة أعظم أسرارها فلا تخاف من مظاهر القدرة والعظمة ، ولا تستوحش إذا استعملتها في موارد الحاجة والدّعوة إلينا حين نأمرك بإظهار الدّعوة وتبيانها إتماما للحجة على الخصماء والمعاندين المتمرّدين (فَأَلْقاها) موسى : رماها (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) أفعى مدهشة ، تسير فاغرة فاها ومكشرة عن أنيابها تنشر الرّعب والهلع وهي تتقلّب ظهرا لبطن وتنسرب على الأرض؟! عندها أخذت موسى الهيبة منها ، فجاءه النداء الكريم :
٢١ ـ (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) : قال الله تعالى لموسى : خذها ولا تأخذك الرهبة ولا تستوحش منها فإنها هي عصاك نفسها بعينها وبذاتها وصفاتها ، وهي التي أمرناك بإلقائها تمرينا لك على خاصيّتها العجيبة ، ونحن (سَنُعِيدُها) نرجعها (سِيرَتَهَا الْأُولى) حالتها التي كانت عليها من الهيئة والخاصيّة. وعن الصادق عليهالسلام : ففزع منها موسى وعدا ، فناداه الله عزوجل : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها ..) الآية. فأراه الله تعالى تلك الآية لتكون معينة له عند الحاجة. ثم شرع سبحانه في تعليمه آية ثانية تكون له معجزة عند الأعداء فقال تعالى :
٢٢ ـ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ... أي أدخل يدك تحت إبطك ، وقد كنّى سبحانه عن اليد بكاملها بالجناح ، فافعل ذلك (تَخْرُجْ) يدك (بَيْضاءَ) مشرقة منيرة ذات لون يخالف لونها الطبيعي ، لأنه بياض متلألئ كاللّجين ، يضيء كما تضيء الشمس ويلمع كما تلمع بحيث يدرك كل من يراها أن أمرها أمر غير عادي وهو مما فوق الطبيعة لأنه آية إلهيّة يعجز غيره عن الإتيان بمثلها. وقوله سبحانه : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) هو بيان وتوضيح وتفسير يدل أن ذلك يكون من غير مرض كالبرص ، رغم أن ذلك اللون اللامع لا يشبّه بالبرص وما سواه من الأمراض ، فهي تخرج بيضاء من غير علة :
٢٣ ـ (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) : أي نفعل معك ذلك لتنظر إلى دلائلنا