الإيمان ممن ينقلب على عقبيه (وَ) حتى لو (ظَنُّوا) من وراء هذه العوامل التي لله وحده فيها الخيار (أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) يقرأ الفعل بالتخفيف مبنيّا للمجهول ، أي أيقنوا أن أقوامهم كذبوهم وارتدوا عن إيمانهم فكأنهم كذّبوهم في دعوتهم إلى الله ... والضمير في : كذبوا ، راجع إلى الرّسل فلا يرد الإشكال بلزوم الإضمار ـ قبل الذكر حتى يحتاج إلى أن يجاب بأن ذكر الرّسل يدل على المرسل إليهم .. ففي تلك الحالة القصوى من أن الرّسل كادوا أن ييأسوا من نصر كلمة الله (جاءَهُمْ نَصْرُنا) أي ورد عليهم خبر صدق ما بعثناهم به حين أنذروا الناس وخوّفوهم النقمة ، فحلّت النقمة بالمكذّبين (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) أي خلص من الهلاك ونجا من العذاب من نريد من المؤمنين (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) أي لا يقف في وجه بلائنا والبؤس الذي ننزله مع نقمتنا ولا يرجعه قوة ولا شيء (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا أنزلناه بهم.
١١١ ـ (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) ... في هذه الكريمة يؤكّد سبحانه أن ما أوردناه لهؤلاء الجهلة من قصص من سبقهم وحكايات حالهم ، ما فيه (عِبْرَةٌ) موعظة توجب الاعتبار (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي ذوي العقول الكاملة لأنهم هم المنتفعون بالقصص دون غيرهم .. وهذا كاف بنظرنا ولا يهمّنا أمر من هم كالأنعام أو أضلّ سبيلا من الأنعام (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) أي أن القرآن ما كان قصة ولا خبرا مكذوبا مختلقا مخترعا (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) بل كان تصديقا وتأييدا لما سبقه من الكتب السّماويّة كالتوراة والإنجيل وما كان قبلهما من الزّبور وغيره (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) أي بيانا لكل ما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه وشؤون معاشه ومعاده (وَهُدىً) دليلا يرشد الناس ويجنّبهم الضلال (وَرَحْمَةً) لطفا يشمل ببركة تعاليمه وينقذ من العذاب ويؤدي إلى النعيم وحسن الثواب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لجماعة يصدّقون بما جاء فيه. وقد خصّوا بالذّكر لأنهم هم المستفيدون منه والمنتفعون بفحوى ما جاء فيه.
* * *