فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩))
٤٥ ـ (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) ... أي قال للناس ، ذلك الساقي الذي نجا من السجن وخلص من الموت ، من ذينك السّجينين ، وادّكر : أي : تذكّر قول يوسف (ع) له : اذكرني عند ربّك. وادّكر أصله : اذتكر ، فأبدلت التاء دالا فصارت : اذدكر ، ثم أدغمت الذال بالدال فصارت : ادّكر ، أي تذكّر. ففطن لذلك بعد أمّة : يعني حين ومدة طويلة ، وقال : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) أي ابعثوني إلى من يعلم تأويل الرؤيا .. وقوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) ، جملة معترضة ، وفي الكلام حذف يدل المذكور عليه ، أي أن الساقي سمع قوله وأجيب طلبه وأرسل إلى السجن فأتى يوسف وقال : يا :
٤٦ ـ (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ) ... والساقي الذي تذكّر ما أوصاه به يوسف بعد مدة طويلة ، بحيث نسي الوصية ، فإنه بحسب القاعدة العرفية وحسن الأدب قد اعتذر ليوسف (ع) عن إهمال وصيّته بعد أن أنساه إياها الشيطان اللعين ، ثم لمّا آنس منه الصّفح قال بأدب : أيّها الصدّيق : أي كثير الصدق فيما يخبر به : والساقي عالم بذلك ، مجرّب لصدقه (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) أي دلّني على تفسير ذلك (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) يعني : عسى أن أعود إلى الناس فأخبرهم بما أعلمتني من التأويل الحقيقي لذلك الحلم العجيب ، فإن الملك ومن بحضرته من الكهنة والحكماء والمعبرّين قد عجزوا عن تأويله ف ـ (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) يعرفون تأويله الحقيقي ، ويعرفون فضلك ومكانتك ومكانك من السجن. فذكر له يوسف