بقطع النظر على النّص المتواتر والآيات المباركات التي نزلت بحقه سلام الله وصلواته عليه .. (وَمَنْ عَصانِي) أي لم يطعني ويتّبع ملّتي (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فما دعا الله على العصاة من أبنائه بسوء ، لأنه وأمثاله من النبيّين عليهمالسلام لمّا كانوا مرآة لرحمته تعالى ، فإنهم لم يغضبوا فيخرجهم الغضب عن طور العطف والرحمانيّة ولم يسألوا ربّهم إهلاك الناس إلّا حيث لا يجوز إلّا الإهلاك رأفة بمن يبقى ولئلا يضلّ سائر الناس. وإن خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآلهوسلم كان كلّما اشتدّ أذى قومه له يقول : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. ولذا قال خليل الرحمان عليهالسلام : فإنك غفور رحيم ، وبيدك أن تعفو وأن تقاصص ، ونحن راضون بحكمك لأنك أعدل الحاكمين.
٣٧ ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ... عن الباقر عليهالسلام : نحن هم ، ونحن بقيّة تلك الذريّة ، وكانت دعوة إبراهيم لنا. ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : انا دعوة إبراهيم ، والمشهور بين المفسّرين أن معنى الإسكان هو جعل الشيء ذا مسكن ومأوى. وجاء في اللغة أيضا أن معنى الإسكان يكون : تصيير الإنسان فقيرا ومسكينا. ويحتمل أن يكون المراد هنا هذا المعنى ، أي : جعلت بعض ذريّتي ـ لأن (مِنْ) للتبعيض ـ مفتقرا إليك مسكينا يحتاج إلى رحمتك ، وجئت به ـ وهو إسماعيل عليهالسلام وأمه هاجر ـ بأمرك فوضعتهما (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) وهي وادي مكة القاحلة المجدبة فلا ماء فيها ولا نبات ، وخلّيت بينهم وبينك فلا مغيث لهم سواك ولا ناصر إلّا ذاتك القدسية ، وأنا كما تراني مفتقر لعنايتك في هذا المكان الخالي ومن أحوج الناس إلى ما يقيم أود ابني وأمه اللّذين أسكنتهما (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وإضافة البيت إليه سبحانه تشريفيّة ، وتسمية البيت مع عدم وجود بناء في ذلك اليوم إمّا لأنه كان بيتا في زمن آدم عليهالسلام ، وإمّا أنه عليهالسلام يدري بأنه سبق في علمه تعالى أنه لا بد من أن يبني بيت في ذلك المكان يطوف الناس من حوله ، ولفظة : المحرّم تعني الذي حرّمت التعرض له بالإهانة والهتك أثناء السلم وأثناء الحرب وفي الأعياد والحج