بتطوّر حاجات أعضاء الطفل وتقدّم سنّه وتبدّل قواه ونمو جسمه ، فتزداد الموادّ الغذائية في اللبن تبعا لحاجته من المواد الدهنيّة والسكريّة ، وتقلّ المواد الزلاليّة والملحيّة الأولى إلى أن يصبح لبن أمه طعاما كاملا يكفي لتغذيته وإنبات لحمه وشدّ عظمه بحيث يجري كل ذلك رغم أن المرضع هي هي لم تتغير ولم تتبدّل في مأكل ولا في مشرب ، وهذا هو من صنع الله سبحانه الذي أتقن كل شيء بقدرته ورتّب مثل هذه الأمور بحكمته. وإنك لترى والشجر في البراري مجدبا قاحلا أثناء فصل المطر والشتاء حيث يكثر المطر وترتفع الرطوبة فيتساقط ورقه ، ثم لمّا يقدم الربيع بحرارته اللطيفة ورطوبته الخفيفة يرى الشجر قد عاد إلى الحياة مزدهرا يانعا مكسوّا بالورق الجميل والزهر العطر بادي الخضرة زاهيا في مظهره مع أن الطبيعة تقتضي كونه كذلك حين وجود الماء والمطر والرطوبة ، كما يجب أن تقتضي يباسه حين اشتداد الحرارة وقلة الأمطار والمياه ، فسبحان المدبّر الحكيم الصانع العليم الذي هو :
٩ ـ (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) : الذي لا يخفى عليه ما غاب أمره عن مخلوقاته في الأرض أو في السماء ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما ، يعرف ما شوهد وما خفي فلم تدركه الحواسّ ، لأنه (الْكَبِيرُ) في قدرته وعلمه (الْمُتَعالِ) في شأنه وعظمته وملكه الذي كل شيء بجنب عزّه وجلاله حقير ، وكلّ عزيز من مخلوقاته يكون بالنسبة إليه ذليلا عاجزا لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا ولا يدفع عنها سوءا.
١٠ ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ... أي يستوي عنده من أخفى شيئا في نفسه ومن أعلنه ، فانه لا تخفى عليه خافية وسواء عنده من هو (مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) أي طالب للخفاء فيه يستر نفسه عن أن يراه أحد ، ومن هو (سارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ذاهب في سربه متّبع طريقه في سبيل عمله اليوميّ علنا وجهرا ، فإنه لا يخفى عليه سبحانه لا هذا ولا ذاك ، لا المختبئ المستتر ولا الظاهر البارز ، وعن الباقر عليهالسلام : يعني السرّ والعلانية عنده تعالى سواء.