وتكذيب زعمي بنظركم ، والفند الكذب ، وهنا معناه : ذلك ثابت لو لا أنكم تنسبون ذلك إلى ضعف العقل. ويظهر من كلامه أن هذا الشيخ الجليل السامي المقام كان كلما ذكر يوسف نسبوه إلى السفه ورموه بالجنون بحيث صار يأنف من ذكره بحضورهم ، ولذا لم يتورع الذين سمعوا قوله ذاك أن قالوا له على الفور :
٩٥ ـ (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ :) أي أنهم أجابوه : إنك كما كنت قبل فراق يوسف مفرطا في حبه وإيثاره ، مبتعدا عن الصواب في أمره ، فإنك اليوم كذلك تتوقّع لقاءه بسبب إكثارك من ذكره. فكيف تلقاه بعد هذه المدة الطويلة ، وكيف تجد ريحه من مسافات متطاولة لا تعرف لها حدودا؟ ... قالوا ذلك معتقدين موت يوسف منذ سنين ، ولم يريدوا بلفظة : ضلالك ، معنى الضلال عن الدين والحق ، بل أرادوا أن أمانيه وآماله بلقاء يوسف بعد موته كانت خلاف الصواب وخلاف شأن الأنبياء.
٩٦ ـ (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) ... أي لما وصل إلى عنده يهودا حامل البشارة كما عن الإمام الصادق عليهالسلام ، لأن يوسف كلّفه بهذه المهمة وشرّفه بحمل هذا الخبر السارّ لمصلحة اقتضت اختياره دون غيره من إخوته كما ذكرنا سابقا ـ فلما وصل بالقميص (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) أي طرح القميص على وجه أبيه يعقوب عليهالسلام وعلى عينيه الشريفتين (فَارْتَدَّ) أي عاد (بَصِيراً) سليم النظر صحيح العينين وعادت إليه جميع قواه كما بينّا ، ف ـ (قالَ) يعقوب للحاضرين في خدمته : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) أما أخبرتكم (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حياة يوسف وعدم اليأس من روح الله عزّ اسمه والأمل بأن يجمع بيننا وبينه ليصدّق سبحانه رؤيا يوسف التي رآها من قبل ، وهذا كله أعرفه تماما وإن خفي عنكم واستبعدته عقولكم.
وقيل إن يعقوب قال للبشير : كيف يوسف؟ فقال : هو ملك مصر. قال يعقوب : ما أصنع بالملك؟ على أيّ دين تركته؟ قال : على الإسلام.