المربّي بالحقيقة وهو المحسن في واقع الأمر .. والحاصل أنه رفض طلبها ولم يستجب للعاطفة وبدأ الرفض بالاستعاذة بالله ، وبأن مربّيه أو ربّه فعلا أحسن مثواه وإقامته بعد إبعاده عن بيته الأبوي ، وب (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا ينجح ولا يصيب الرّشد والخير من تعدّى على الحرمات وظلم نفسه وغيره.
٢٤ ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ... التفسير اللفظي يعني أنها مالت إليه وقصدته باهتمام ، ومال إليها وقصدها بمثل ذلك ولكن ميله معلّق على قوله سبحانه : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي أنه كان يمكن أن يكون منه ذلك لو لا رؤية برهان ربّه جلّ وعلا. وحيث لم يحصل المعلّق عليه ، لم يحصل المعلّق أيضا. فالنتيجة أنه ما حصل له عليهالسلام ميل ولا قصد سوء معها ، إذ كان مكثه معها ومكثها معه في بيت واحد كمكث ذوات المحارم مع ذوي أرحامهن ، يعني كالأمّ مع ابنها باعتبار أن زليخا كانت معه كأمه أو كأخته الحسناء التي يجالسها ابنها أو أخوها ، بل يحبّها حبّا بريئا لا حبّ شهوة تتولّد عن النفس الأمّارة بالسوء ، وكذا تكون الأجنبيّات عند الرّسل والأنبياء والأولياء والمعصومين ببركة العصمة وبفعلها وتأثيرها على شهوات النفس عند من أعطيت لهم.
لكن هذا التفسير قد يكون خلاف ظاهر الآية الكريمة لأن العصمة أمر معنويّ ، وهي من الملكات التي ليست قابلة لأن تتعلق برؤية البرهان ، وحملها على الرؤية المعنوية ـ أي بعين القلب ـ حمل عرفاني خلاف الظاهر أيضا. فالحقّ في المقام أن نحمل البرهان على ما في رواية الإمام علي بن الحسين (ع) الآتية ، من رؤية زليخا في حالة الجذب والاجتذاب لصنمها الذي ألقت عليه ثوبا يغطيه. فهذا الالتفات في تلك الحالة التي هيجّت نفسها وشهوتها ، ما كان إلا من عند الله تعالى ، لتنبيه يوسف (ع) وتوجيهه إليه وإراءته عظمته .. هذا هو البرهان الذي أراه الله إياه لطفا به. ولذا فسّر البرهان بالعصمة منه عزّ وعلا.