صنع بك كان بمرأى ومنظر منّي إذ كنت تحت حراستي وحمايتي. فالعين كأنها هي سبب الحراسة واليقظة والمحافظة ولذلك أطلقت هنا وإن كان المراد منها مجازا لأنه كقوله سبحانه : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) ، أي بمنظر منّا ومرأى إذ تكون في حياطتنا وحفظنا ، فالله تعالى يسمع بلا أذن ويرى بلا عين ويعلم ما تخفي الصدور.
والحاصل أن البحر ألقى التابوت على الشاطئ بعد أن فعلت أم موسى ما أمرها الله بفعله ، وكان إلقاؤه في موضع من الساحل فيه فوهة نهر فرعيّ يمر بقصر فرعون ويجتاز البركة التي في ساحة القصر ، وقد أدّى ذلك النهر بالتابوت إلى تلك البركة بالذات حيث يجتمع الماء فيها فلمّا رآه فرعون ورأى موسى فيه أحبّه لأول نظرة لأنه قيل : كان في عيني موسىعليهالسلام ملاحة ما رآها أحد إلّا انجذب إليه وهفا قلبه نحوه. وقد حصلت هذه المفاجأة العجيبة :
٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) ... وذلك حين كانت شقيقتك التي تدعى مريم أو كلثوم تدور من هنا وهاهنا لتعرف خبرك وأين وقعت وإلى أين صرت ، فرأتهم يطلبون لك مرضعة فتقول لهم : هل تحبون أن أرشدكم إلى مرضعة وأهل بيت يهتمّون به ويتعهدون راحته وحفظه؟ فقالوا : نعم ، فجاءت بأمّك فقبل ثديها ورضع من حليبها بعد أن رفض ثدي أية مرضعة غيرها (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) فرددناك سالما محفوظا إلى أمّك بإذن فرعون وبكامل رضاه وبدون أن تخاف عليك ، إقرارا لعينها وإثلاجا لصدرها ، ولئلا تحزن لفراقك بعد أن كانت قد رمتك في البحر فلن تحزن لفراقك ، ولا لغرقك ، ولا لقتلك. وقوله تعالى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ...) إلى قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) هو تفسير لحياطته سبحانه وتعالى وحراسته التي أشار إليها قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، وهذه كلّها من منن الله عليه (وَقَتَلْتَ نَفْساً) وهو القبطيّ الكافر الذي وكزته فمات وخفت القصاص والقتل (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) خلّصناك