٤١ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا :) أي بعد ذكر زكريّا ويحيى وعيسى عليهمالسلام اذكر يا محمد لهؤلاء القوم حال إبراهيم عليهالسلام. وإنما أمر بذكره لأنه أبو العرب ، فكأنّه قال : إن كنتم مقلّدين لآبائكم كما زعمتم وقلتم : إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم لمقتدون. فأشرف آبائكم وأجلّهم هو إبراهيم ، فإن كنتم صادقين فيما تقولون من أنكم مقلّدون فقلّدوه وكونوا على ما كان عليه من التوحيد والشريعة الحقة وترك عبادة الأوثان ، فإنه كان صادقا مصدّقا بحيث صار الصدق والتصديق عادته. وقد وقعت هذه الجملة معترضة بين إبراهيم عليهالسلام وبين عبادة : إذ قال. وهذا نظير قولك : رأيت زيدا ، ونعم الرجل زيد ، إذ كان خطيبا.
٤٢ ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) ... أي اذكر حين قال لأبيه ذلك. وقد اختلفوا في كون آزر أباه أو عمّه أو جدّه لأمّه ، ولم يكن آباه لطهارة آباء الأنبياء من الشّرك وعبادة الأوثان. والعرب تطلق على العمّ لفظ الأب وتنزله منزلته. والتاء في : يا أبت ، تاء عوض عن ياء الإضافة ، ولذلك لا يقال : يا أبتي لأنه لا يجمع بين العوض والمعوّض عنه ، وكذلك الهاء الساكنة في : يا أبه فإنها عوض عن ياء المتكلم ، وهذا في النداء حيث يقال أيضا : يا أبتا ولا يقال في غيره ، بل يقال : أبي فقط مع ياء المتكلم.
والحاصل أنه سلام الله عليه قد قال له : كيف تعبد شيئا لا يسمعك إذا دعوت ، ولا يراك إذا وقفت بين يديه (وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) أي لا يريحك في دفع ضرّ ولا في جلب نفع.
٤٣ ـ (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ) ... إنّما كرّرت لفظة : يا أبت ، للاستعطاف ، وقد ذكر له أنه قد جاءه من العلم : أي المعرفة ، ما لم يجئك (فَاتَّبِعْنِي) كن على طريقتي (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أرشدك إلى طريق قويم لا عوج فيه في التوحيد وعبادة الواحد الأحد.