٩٧ ـ (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) ... أي انصرف من وجهي بنتيجة عملك القبيح ، وجزاؤك في الدنيا أن تقول لا مساس : أي أن تقيم في البراري مع الوحوش لا تمسّ أحدا ولا يمسّك أحد ، فلا تمس ولا تمس ، ومن مسّك أصيب بالحمّى وأصابك أنت بها أيضا ، فكان إذا أراد أحد أهله أن يمسّه يصيح به : لا مساس خوفا من تلك الحمى التي يرميه بها الله تعالى جزاء على عمله. وقيل إنه لمّا قال له موسى عليهالسلام ذلك : عوقب بمرض الجنون وهام على وجهه في البريّة وجعل يقول لا مساس ولا مساس ، وكان من يمسّه يصاب بمثل ما أصيب به.
هذا ما كان من عقابه في الدنيا ، وأمّا في الآخرة (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي أن لك يوم القيامة وقتا تتلقّى فيه عذاب الآخرة الأشد فإنه مهيّأ لك وعدا غير مكذوب ولن تجد خلفا في ذلك الوعد إذ ينتظرك عذاب ربّك الخاص بك. وفي بعض التفاسير أن هذه الحالة موجودة في أعقاب السامريّ (لا مِساسَ) لتكون عبرة لهم ولغيرهم ، وأنّ السامريين يعرفون بها في بلاد مصر والشام ويقال عند رؤيتهم لا مساس. وقيل إن موسى عليهالسلام همّ بقتل السامريّ بعد فعلته الشنعاء ، فأوحى إليه الله تعالى : لا تقتله فإنه سخيّ. فلذلك تركه وأحرق عجله وقال له : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) أي انظر إلى الرّب المزيّف الذي صنعته وكنت لا تزال ملازما له (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) أي لنحرقنّه بالنار ونذيبنّه بها ، ولنرمينّه في البحر مبعثر الأجزاء بعد طرحه في الماء بحيث لا يبقى له أثر.
وقيل إن قراءة (لَنُحَرِّقَنَّهُ) من باب التحريق لا الحرق ، تدل على كون العجل حيوانا ذا جلد ولحم ودم وعظام ، وأما على القراءة بالتخفيف : لنحرقنّه ، فمعناها لنبردنّه بالمبرد ولنسحقنّه ، لأنه مصنوع من الذهب والذهب غير قابل للإحراق. وهذه من الأوهام التي يريد المتحذلقة إيرادها