ذكر الفترة الطويلة التي مضت ، فقال تعالى له : (خُذِ الْكِتابَ) أي التوراة (بِقُوَّةٍ) بجدّ وعزيمة وقم بما فيها من أوامر ونواه والتزم بها بنشاط وورع. وقال بعض أعاظم أهل التفسير : إن في قول الله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) اختصارا عجيبا تقديره : فوهبناك يحيى ، ثم أعطيناه الفهم والعقل ، وقلنا له : يا يحيى خذ الكتاب بقوّة (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي أعطيناه الحكمة والعقل والرشد وهو في زمن طفولته.
وفي المجمع ، عن الإمام الرضا عليهالسلام : أن الصّبيان قالوا ليحيي عليهالسلام : اذهب بنا نلعب. فقال : ما للّعب خلقنا. ولذلك قال الله تعالى فيه ما قاله. ولا يخفى أن ذلك كان قرب وفاة زكريّا عليهالسلام حيث إن فيه إشعارا بأن النبوّة تنتقل عنه إلى ابنه قبل أو ان الرّشد الطبيعي. هذا إذا كان الكلام في ذيل هذه الآية لا يزال موجّها إلى زكريّا عليهالسلام.
١٣ ـ (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) : أي رحمة منّا به وتعطّفا عليه آتيناه الحكم صبيّا بناء على أن الضمير يعود ليحيي ، وقيل إن المقصود بلفظ (حَناناً) هو تحنّن يحيى نفسه وعطفه على العباد ليدعوهم إلى الطاعة بلطف وينهاهم عن المعصية إشفاقا عليهم. وقيل قد كان من تحنّن الله سبحانه على يحيى عليهالسلام أنه كان كلّما قال : يا الله ، قال الله تعالى : لبّيك يا يحيى تلطّفا به (وَزَكاةً) أي تزكية له من الخبائث والأدناس التي طهّره الله منها منذ ولادته ، وذلك يعني أننا طهّرناه طهارة وباركنا فيه بزيادة العلم والعمل الصالح (وَكانَ تَقِيًّا) مطيعا متجنّبا للخطايا لم يهمّ بسيئة.
١٤ ـ (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) : أي أنه كان حافظا لحق أبويه تمام الحفظ ولم يكن (جَبَّاراً) متكبّرا (عَصِيًّا) عاصيا لربّه لا في القليل ولا الكثير.
١٥ ـ (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) ... أي تحية مباركة له من ربّه منذ ولادته (وَيَوْمَ يَمُوتُ) حين يقضى عليه بالموت (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) يوم القيامة.