له الملك : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) أي نؤكّد لك أنك منذ اليوم صرت عندنا ذا مكانة وشأن وقد مكّنتك في حكمي وجعلت سلطانك فيه كسلطاني ، وأنت عندي (أَمِينٌ) مؤتمن على كل شيء ، ذلك أنه رأى فيه الشاب الرشيد الذي يتمتع بامانة نادرة ، وبعقل رصين وتفكير حصيف ، ثم عرض عليه ما يريد من المناصب في مملكته ليكفّر عمّا سلف وليكافئ مواهبه ويستفيد ممّا منحه الله إياه من ملكات قادرة. عند ذلك :
٥٥ ـ (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) ... أي قال يوسف للملك : ولّني خزائن أرض مصر أي ما تنتجه وما يستهلكه الناس وما يباع في الحوانيت ويشترى ويخزن في المستودعات ، وعلى الداخل والخارج ، أو بعبارة أخرى : ولّني وزارة المال والاقتصاد ف ـ (إِنِّي حَفِيظٌ) شديد الحفظ والمحافظة عليها ، حريص على أن لا تقع فيها خيانة (عَلِيمٌ) بكيفية التصرّف فيها ، وبوجوه المصالح كلّها ومصالح الملك ـ وقيل عليم بكل لسان ولغة على ما في الرواية عن الإمام الرضا عليه آلاف التحية والسلام. ـ وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لولّاه من ساعته ، ولكنّه أخّر ذلك سنة.
وقد قال بعض المتبحرّين : استدلّ الفقهاء بهذه الآية على جواز الولاية من قبل الظالم إذا عرف المتولّي من حال نفسه أنه متمكّن من العدل كحال يوسف مع ملك مصر. ثم قال : والذي يظهر لي أن نبيّ الله أجلّ قدرا من أن ينسب إليه طلب الولاية من الظالم ، وإنما طلب إيصال الحق إلى مستحقه لأنه من وظائفه وتكاليفه.
وعن الإمام الرضا عليهالسلام : فلمّا مضت السنون المخصبة وأقبلت السنون المجدبة ، أقبل يوسف عليهالسلام على بيع الطعام ـ أي الحبوب ـ فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الثانية بالحلى والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر إلّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الثالثة بالدوابّ والمواشي حتى لم يبق بمصر