ومعنى الآية أن مكرهم كان من العظمة بحيث تزول منه الجبال ، وينبغي لها أن تزول من ذلك الكيد الكبير. وليس المراد من هذا القول الإخبار عن الوقوع ، بل هو مبالغة في شدّة مكرهم وتهويل حيلهم لإبطال الحق وإشاعة الباطل. وقد تكون الجبال كناية عن الدّين القويم والبراهين الإلهية بمعنى أن مكرهم لم يكن ليبطل دينك وشريعتك التي هي أرسى من الجبال في الثبات ف (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وليس دينك أمرا خلقيّا مجعولا فرضه العرف والاصطلاح.
* * *
(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١))
٤٧ ـ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) ... فلا تظنّنّ يا محمد أن الله يخلف أنبياءه ما يعدهم من نصرهم وإهلاك أعدائهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) فهو غالب منيع الجانب شديد النقمة لأوليائه من أعدائه.
٤٨ ـ (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) ... قيل في معناها قولين :
أولهما : أنها تبدّل صورة الأرض وهيئتها كما عن ابن عباس الذي روي عنه قوله : تزول آكامها وآجامها وجبالها وأشجارها ، والأرض على حالتها تبقى بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة. وتبدّل