وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))
٣٣ ـ (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ... أي أن يوسف عليهالسلام ضجر في ذلك البيت مما قاسى من مضايقات زليخا وغيرها من النسوة بحسب الظاهر ، وبدليل قوله : يدعونني ، بالجمع ، مصداقا لما قلناه سابقا من أن جميع من رأينه وأكبرنه رغبن فيه وراودنه عن نفسه بمختلف الوسائل وشتّى الإغراءات ، ففرّج الله تعالى عنه باقتراح حبسه فقال يا رب إن السجن أحبّ إليّ من دعوة هؤلاء النسوة إليّ الفحشاء ، فأنا أفضّل الحبس على أن أمارس المعاصي والفجور إذ أخلو وأتفرّغ لعبادتك (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) إلّا : جاءت بدل : إن ، ولم الشرطية. أي : إن لم تصرف عني وتحوّل مكرهنّ واحتيالهن عنّي (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) يعني إن لم تجنّبني ذلك أمل إليهن ، وأستجب لرغباتهنّ بمقتضى شهوتي وبما جعلته من رجوليّة في من هو في مثل سنّي (وَ) حينئذ (أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي غير العارفين بأوامرك ونواهيك. ويستفاد من قول يوسف هذا ، أنه يبتعد عن الأمور التي تثير الشهوة الطبيعية وتهيّج النفس البشرية ولو بغير اختياره ، فليس من المعقول أن يميل إلى الفحشاء والمنكر برغبة منه واختيار.
٣٤ ـ (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) ... أي أن يوسف عليهالسلام دعا ربّه فاستجاب له دعاءه ـ وهو سميع الدّعاء ، وهو السّميع المجيب ـ فصرف : حوّل عنه مكرهنّ وحيلهنّ (إِنَّهُ) سبحانه وتعالى (هُوَ السَّمِيعُ) للدعاء ولكل شيء (الْعَلِيمُ) بأحوال الجميع وبما يصلح شأنهم ، فلا بد للإنسان من اللّجأ اليه عزّ اسمه في كل حال تعتريه ـ ولو كان معصوما ـ وليس عليه أن يعتمد على ملكاته وقوّة إرادته لأنّ النفس أمّارة