ثم أخذ سبحانه في بيان قدرته وسعة ملكه وسلطانه فقال عزّ من قائل :
* * *
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))
١٥ ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... : أي أن كل من في السماوات والأرض شأنه السجود لعظمته سبحانه ويجب عليه السجود. وقد عبّر تبارك وتعالى عن الوجوب بالوقوع والحصول. ويسمّى لهذا بالسجود الشأني ، وهو بهذا المعنى عامّ والمراد به عام. أو أن المراد بالسجود الخضوع والاعتراف بالعبودية ، وهو بهذا المعنى أيضا عامّ لأن كلّ من في السماوات والأرض معترفون ومقرّون بالعبودية ، والعابد خاضع لمعبوده (طَوْعاً وَكَرْهاً) أي باختياره ، وقهرا ، وكذلك يكون شأن المخلوق لخالقه ، يدلّ على ذلك قوله عزوجل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟. لَيَقُولُنَّ : اللهُ) ، وقوله تقدّس اسمه : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ، يعني أنهم في الواقع ونفس الأمر كذلك ، وينبغي أن يكونوا كذلك بحكم افتقارهم لموجدهم.
وأما السجود بمعنى وضع الجبهة على الأرض ـ أي السجود الشرعي وباصطلاح أهل الشرع ـ فليس بمراد في هذه الآية على ما هو الظاهر المستفاد منها. فإن أهل السماوات والأرض ليس سجودهم هكذا ، ولا أكثر أهل الأرض من المسلمين ، وكذلك الكفرة الذين يسجدون كرها وخوفا من السيف وطمعا في المال فإنهم ليسوا مقيّدين بأصل السجود فضلا عن المسجود له .. والأحسن في المقام أن يقال إن السجود اسم جنس وهو يطلق على جميع أقسامه ، والسجود من كل شيء يكون بحسبه ، ولعلّ المعنيّ بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، هو المعنى العام ، فلا