أصنامهم فإنهم حين يبسطون إليها أيديهم بالدعاء ليسوا (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ) أي كالعطشان الذي يشير بيديه ليصعد الماء ويبلغ فمه ، فدعاؤهم لأوثانهم كذلك لا يستجاب إلّا إذا استجاب الماء وصعد إلى فم الظمآن بمجرّد الإشارة ببسط اليدين ، فالماء مادة لا تحس ولا تشعر ، والأصنام كذلك لا تسمع ولا تبصر ولا تعي ولا تقدر على شيء ، فليدعوا أمام تلك الأحجار ما شاؤوا (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) لا يصادف محل إجابة ليكون في طريقه المستقيم للإجابة.
ولا يخفى أن في الآية الكريمة تعليقا على محال ، وذلك أن إجابة الأصنام لدعاء الكفار ـ افتراضا ـ هي كإجابة الماء لأن يبلغ فم العطشان لمجرّد بسط اليدين له ، فالمعلّق عليه محال والمعلّق كذلك. وقيل إن التشبيه في جهة أخرى وهي أن الكفرة الداعين للأصنام شبّه دعاؤهم بعد الأثر وعدم الفائدة من دعائهم لآلهتهم ، وبمن كان عطشانا وجاء الماء ليشرب وبسط إليه يديه وفرّج أصابعه فخرج الماء من بينها ورفع يديه إلى فيه فارغتين ولم يبلغ الماء فمه إذا لم يبق في كفّيه شيء منه ولم يستفد من طلبه للماء. والحاصل أن التشبيه كان في نفس الداعيين والطالبين لا في فعلهما الذي تجلّى بالدعاء للأصنام وبطلب الماء. والظاهر من الآية لا هذا ولا ذاك ، بل هو تشبيه الأصنام بالماء من حيث أنها لا تشعر ولا تحس ولا تعقل حتى تقدر على الإجابة عند الدعاء. ويحتمل أن يكون التشبيه حاويا لجميع هذه الجهات ، بل لأكثر من هذه الاحتمالات والجمع بين جميعها أولى. ويبعّد القول بأن التشبيه في نفس الفاعلين أحدهما بالآخر أنّ ظاهر الكريمة يقرب إلى غير هذا القول لمكان «إلى» فلو كان النّص هكذا : كباسط كفّيه في الماء ، لأمكن القول بهذا القول ، فتأمّل .. نعم نحن وظاهر الآية مع قطع النظر عن الخصوصيات ، ولا يبعد القول بأن ظاهر قوله تعالى : كباسط كفّيه ، يدلّنا على مدّعى الخصم كما لا يخفى ولا سيّما إذا أخذنا بقول بعض المفسّرين للآية من الذين قالوا : أي كمن يبسط كفّيه للماء يطلب منه أن يبلغ فاه بانتقاله من مكانه ومجيئه إلى فيه ، والماء لا يسمع ولا يعقل.