ويحتالون تخلصا من الإيمان به (ص) ولذلك نزلت الآية الشريفة التالية تسلية له.
١٠٣ ـ (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ... الجارّ والمجرور يتعلّقان بأكثر ، والمعنى أنه مهما حرصت على توفير جوّ الإيمان للناس فإن أكثرهم لا يؤمنون. والحرص هو طلب الشيء بغاية الاجتهاد ونهاية الجد. وحرص الداعي لا يفيد إذا كان المدعوّ غير مجيب وغير متفكر بدعوة من يدعوه ، كفرا وجحودا كاليهود الذين لو كانوا عقلاء لعرفوا الحق وتقبّلوا الدعوة ولم يتمردوا على الله ورسوله. فدعهم وشأنهم لأن حسابهم علينا ، ولا تتعب نفسك بالحرص على إيمانهم ، لأنك :
١٠٤ ـ (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ... لست تطلب منهم أجرة دنيوية مادية تستفيدها في حياتك يا محمد (إِنْ هُوَ) أي هذا الذي ننزله عليك ، هو (ذِكْرٌ) تذكير لمن أراد أن يتفكّر ويتدبّر ، وتنبيه (لِلْعالَمِينَ) سائر الناس ، وما المال بغيتك حتى تظن أنه قد منعهم عن تصديقك مع أن دعوتك لا ترمي إلا إلى صلاحهم وإصلاحهم ، فهم جاحدون معاندون لا ينفع معهم إعذار ولا إنذار ...
١٠٥ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... أي كم من آية وحجة وبرهان (يَمُرُّونَ عَلَيْها) تعترضهم وتقع تحت أبصارهم دلالة على وحدانية الله عزوجل ، من الشمس والقمر ، والنجوم والسماوات والأرض ، وما فيها كلها من آيات باهرات ، بل من أنفسهم واختلاف ألوانهم وألسنتهم وطبائعهم ، ومن غير ذلك مما يرونه (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) مائلون ومنصرفون عن التفكر والتدبر والاعتبار.
أما كأيّن ، فأصلها ك ـ كاف التشبيه ـ و : أي ، يعني كأيّ. فالكفار قد وقفوا منك يا محمد عند تلاوة قصة يوسف كوقوفهم مقابل أيّ من الآيات التي يرونها فقد دخلت كاف الجر على أي واستعملت للعدد الكثير مثل : كم ، سواء بسواء ..