المسافرين وإن كان بعضهم أعرف. وهذا لا يصير سببا للحصر كما لا يخفى ، فالاعتبار بهذه النعمة والشكر عليها ألزم وأوجب. وقد روى قتادة أن خلق النجوم لأمور ثلاثة : الأوّل لتزيين السماء الدّنيا ، والثاني لرجم الشياطين ، والثالث لكونها علامات ثم لمّا ذكر الدلائل على وجود القادر تعالى وشرح أنواع نعمه ، أتبعه بذكر إبطال عبادة غيره ممّن لا يقدر على شيء ، فقال تبارك وتعالى :
١٧ ـ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ... الاستفهام إنكاريّ ، يعني بعد إقامة الدّلائل المتكاثرة على وجود الصّانع وعلى كمال قدرته وتناهي حكمته وتفرّده بخلقة العالم هل هذا الخالق المقتدر كمن لا يخلق شيئا ولا يقدر على شيء وهو عاجز مطلقا؟ وسواء ذو العلم منهم كعيسى وعزير وغيرهما وكالأصنام. وبعبارة أخرى لا مشابهة بين الخالق ومخلوقه ، والقادر المطلق والعاجز المطلق ، والواجب والممكن ، فجعل العاجز شريكا للقادر بغاية العناد ونهاية الضلال ، والسّفاهة. ولا بد من تنبيه ، فقد كان من حقّ الكلام أن يقال : أفمن لا يخلق كم يخلق؟ حيث إنهم يشبّهون الأصنام أو عيسى أو العزير به تعالى ، وكانوا يقولون هؤلاء آلهتنا كإله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. لكن أوتي بالكلام معكوسا تنبيها على أنهم للإشراك جعلوا الأله من جنس المخلوق الذي هو في غاية العجز ، فعلى هذا لا فرق عندهم بين الخالق القادر المطلق ، والمخلوق العاجز المحض ، فشبّهوه تعالى بآلهتهم العجزة لكمال جهلهم وغاية ضلالتهم. والمراد بمن لا يخلق كلّ معبود سواه تعالى سواء كان ممّن يعقل كعيسى وعزير أو غيره كالأصنام على طريق التغليب ولذا جاء بمن (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي تتنبّهون وتلتفتون فتعرفوا فساد ذلك ، والمقام لدقّته كان من موارد التفكير والتوغّل فيه لذا عقّبه تعالى بقوله : أفلا تذكّرون : تتدبّرون.
* * *