تلك الموازين في ذاتها (قسط) وعدل ، لا أنها ليست موازين يجوز عليها أن تقسط وأن تخيس ولو مرة بملايين المرّات. وعن السّجاد عليهالسلام : اعلموا عباد الله أن أهل الشّرك لا ينصب لهم موازين ، ولا ينشر لهم دواوين ، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا. وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام. فاتّقوا الله عباد الله. (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) فلا ظلم ولا جور في ذلك اليوم لأحد كائنا من كان حتى ولو أن الإنسان أحسن بمثقال حبة الخردل المتناهي في القلّة لجئنا له بأجر إحسانه ، ووفّيناه ما عمل ، وذلك كقوله عزوجل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) ويكفي أنه سبحانه وتعالى هو الحاسب والمحاسب لأنه العادل الذي يتنزّه عن الجور والظّلم.
ثم إنه تعالى ذكر أن إنذار النبيّ الخاتم عليه وعلى آله الصلاة والسلام لم يكن من عند نفسه ، بل هو وحي يوحى وليس له أو لأيّ رسول أن يختار قولا أو فعلا لم ينزل به وحي ، ولذلك عقّب على هذا الموضوع بإنزال التوراة على موسى وهارون عليهماالسلام وحيا من عنده ليعلّما الناس أوامر الله السماويّة ، فالتوراة كتاب سماويّ ، والقرآن كذلك كتاب سماويّ ووحي منزل بسائر ما فيه من حلال وحرام ووعد ووعيد وموعظة وتحذير وغيره ، ولذلك قال عزوجل فيما يلي :
* * *
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))
٤٨ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) ... أي : أعطيناهما الكتاب