أين المخدّة والمتّكأ وأهل النّار؟ وبعد الوعيد لأهل النار أردفه بوعد المؤمنين فقال تعالى :
* * *
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١))
٣٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ... (أَحْسَنَ عَمَلاً) : أي لا نترك أعمالهم تذهب ضياعا ، بل نجازيهم ونوفّيهم من غير بخس. والآية تدل على أن العمل شرط لحصول هذه المثوبات فان اللطف يدل على المغايرة ، والإيمان المجرّد عن العمل مقتض لا أنه علة لها ، وكذلك يدل على أن المؤمن يستوجب بحسن عمله تلك المثوبات لا أن الاستيجاب يحصل بحكم الوعد أو لذات الفعل وهو الإيمان كما عليه المعتزلة.
٣١ ـ (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ) ... الظاهر أن هذه الشريفة خبر لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) في صدر الآية الشريفة السابقة. وقوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ) إلى آخرها ، جملة مستأنفة لا أنه خبر ، وإن شئت عبّر عنها بالمعترضة ولعله أحسن. والله أعلم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي جنات إقامة لأنهم يبقون فيها ببقاء الله دائما. وقيل عدن هو بطنان الجنة أي وسطها والجمع باعتبار سعتها أو باعتبار أن كلّ ناحية منها تصلح أن تكون جنّة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) إمّا باعتبار أنهم على غرف في الجنّة كما قال : وهم في الغرفات آمنون ، أو لأنّ أنهار الجنة تجري في أخاديد وأقنية مرتبة في الأرض وتحت الغرف