الحق وأتمّ البيان ، عبّر عن رؤياهما بأخصر عبارة ووعد الساقي بالإفراج عنه بعد ثلاثة أيام فيخرج بأمر الملك ويعود إلى ما كان عليه وترتفع منزلته عنده ، ثم أخبر الطبّاخ بالبقاء في السجن ثلاثة أيام أيضا ولكن الملك يأمر بعدها بصلبه فيبقى مصلوبا إلى أن تأكل الطيور الجوارح من مخّه ولحم جسده.
وقيل إن صاحبي السّجن ما رأيا في النوم ولا راودهما حلم ، وإنّما اخترعا ذلك وقالاه بقصد امتحان يوسف (ع) لأنهما رأياه عليما بتعبير الرؤيا ، ثم لما فسّره لهما قالا له : إنما كنّا نتسلّى ونمازحك في الرؤيا فلذلك ردّ عليهما قائلا : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ، أي أن الأمر نازل بكما لا محالة ، لأن قوله عليهالسلام لهما جاء من جهة الوحي والإلهام.
٤٢ ـ (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) ... ظنّ : هنا بمعنى : علم واعتقد ، فقد قال للذي تأكد نجاته : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي ائت على ذكري وأنني حبست ظلما لكي يخلّصني من الحبس (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) اختلفوا في عودة الضمير الذي من آخر الفعل : أنساه. فقالوا : يرجع إلى يوسف ، أي أنساه الشيطان ذكر الله في تلك الحال حتى استغاث بمخلوق فالتمس من الساقي أن يذكره عند سيّده وكان من حقّه أن يستغيث بالله الذي أنجاه من المهالك والكرب العظام ويتوكّل عليه وحده «ف» لذلك (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) أي بقي سبع سنين بعد خمس سنين سبقتها وذلك هو المرويّ عن الإمامين السجّاد والصادق عليهماالسلام. وقالوا : بل الضمير في : أنساه ، يرجع إلى الساقي الذي سها عن ذكر يوسف ونسيه سبع سنين.
واعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة سببا لا أصالة بشرط أن لا يغفل الإنسان عن ذكر مسبّب الأسباب بالكلّية. ولمّا كانت حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، فإنه لا يجوز على مثل يوسف (ع) أن يستعين بغيره تعالى لا جرم صار يوسف مؤاخذا بترك ما هو أولى في