محترمين ، ثم جهّزهم تجهيزا ملوكيّا باذخا ليعودوا إلى رحاب أبيهم العظيم لتبشيره وللإتيان به إلى مصر مع جميع أهله وعياله ومن يلوذ به .. وكان يعقوب يقيم بالرملة من نواحي أرض كنعان ـ فلسطين ـ فأعطاهم قميصه المتوارث من جدّه إبراهيم عليهالسلام وكانت فيه تعاويذ ، وهو القميص الذي ألبسه الله تعالى إبراهيم بواسطة جبرائيل عليهماالسلام يوم ألقوه في النار فجعلها بردا وسلاما ، ثم ألبسه جبرائيل أيضا ليوسف يوم ألقاه إخوته في الجب فصار عليه الجب سلاما .. ثم قال يوسف (ع) لإخوته :
٩٣ ـ (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي) ... في بعض التفاسير أنه لمّا أمر الله أن يبشّر يعقوب بسلامة ولديه ، جاء جبرائيل وقال : يا يوسف إن هذا القميص فيه رائحة الجنّة ، وما وقع على مريض أو مبتلي إلّا شفاه الله وعافاه ، فأرسله إلى أرض كنعان حتى يلقى على عيني أبيك فيشفيهما الله تعالى ببركته. فلذا قال : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه أي ضعوه على وجه أبي (يَأْتِ بَصِيراً) أي يعود حديد النظر سليم العينين (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي أحضروهم جميعا. وقيل إن هذا الكلام كان منه معجزة لأنه لم يكن يعرف هذه الخصوصية بالقميص إلّا بواسطة الوحي السماوي.
وقال يوسف (ع) إنما يذهب بقميصي هذا إلى أبي من ذهب بقميصي الملطّخ بالدم يوم فارقت أبي. فقال يهودا : أنا ذهبت به يومئذ وأخبرته بقصة الذئب. قال يوسف (ع) : اذهب بهذا وأخبره أني حيّ فأفرحه كما أحزنته أول مرة. فما أسمى هذا الخلق حين ندرك أن يوسف قصد بذلك أن يهيء إرضاء والده عن يهودا الذي أحرق قلبه بادئ الأمر وأثار سخطه وألقى في قلبه ما أقرحه ، وقد كانت المظنّة أن لا يرضى عنه أبوه مطلقا. ولكن بهذه الوسيلة يمكن أن يرق قلب يعقوب فيعفو عن ولده مقابل البشارة التي تمحو غيظ القلب وألم النفس .. وهكذا أخذ يهودا القميص وخرج من بين إخوته وسار وحده حافيا حاسرا يغذ السير حتى أتى والده عليهالسلام وكان يفصله عنه ثمانون فرسخا ، وقد بلغ من سرعته في السير