وما حولها دابة ولا ماشية إلّا صارت في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الخامسة بالدّور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار إلّا صار في ملكية يوسف ، وفي السنة السادسة باعهم بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة حتى صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ حتى صار عبد يوسف. فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم وقال الناس : ما رأينا وسمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا. ثم قال يوسف للملك : أيّها الملك ، في ما خوّلني ربّي من ملك مصر وأهلها ، أشر علينا برأيك. فإنّي لم أصلحهم لأفسد ، ولم أنجهم لأكون وبالا عليهم ، ولكنّ الله نجّاهم على يدي. قال له الملك : الرأي رأيك. قال يوسف : إني أشهد الله وأشهدك أيّها الملك قد أعتقت أهل مصر كلّهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك أيها الملك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلّا بسيرتي ولا تحكم إلّا بحكمي. قال الملك : إنّ ذلك لشرفي وفخري ألّا أسير إلّا بسيرتك ولا أحكم إلّا بحكمك ، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له. ولقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله. فأقم على ما ولّيتك فإنك لدينا مكين أمين.
٥٦ ـ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) ... أي وبهذا الشكل الجليل الجميل ثبّتنا مكانة يوسف وأرسينا منزلته في أرض مصر (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي يتّخذ منها منزلا يقيم فيه أينما يريد ، ويتصرّف على ما يهوى بلا مانع ولا زاجر بعد استيلائه على خزائنها وخيراتها بتمامها ، وبعد تفويض الأمر إليه من ناحية الملك. ولذا قال سبحانه وتعالى : كذلك (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) أي نشمل من نريد برأفتنا ورفقنا وتوفيقنا (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) لأننا نحفظ لهم إحسانهم ونثيبهم عليه في الدنيا والآخرة كرما منّا وتفضّلا :