الله كان يوحنّا يرعى أغنامه ليلا فدخلت مزرعتي وأكلت زرعها. وعلى قول ابن عباس : دخلت كرمي وأكلت عنبه وأفسدته. فسأل داود يوحنّا ، فأجاب : نعم يا خليفة الله كان ذلك وكنت نائما فدخلت الأغنام الحرث وأفسدته. فقال داود : احسبوا قيمة الأغنام وقيمة الزرع ، فحسبوا ذلك فكانت القيمتان متساويتين ، فحكم على يوحنّا بردّ أغنامه على إيليا المدّعى بالإضرار بزرعه.
وكان من عادة سليمان بن داود عليهماالسلام أن يقعد على باب المحكمة ويسأل كلّ من يخرج عن دعواه وعن الحكم الذي صدر بها. فلما خرج هذان المتخاصمان استفسر عن دعواهما وعن الحكم ، فأعلنا له ما جرى بالتفصيل ، فأرجعهما إلى المحكمة ـ وكان عمره الشريف إحدى عشرة سنة ـ فقال : يا أبه ، لو كان الحكم غير ما حكمت به لكان أوفق وأصلح. فسأله داود عن الكيفية التي يراها أصلح من حكمه ، فأجاب بأن يسلّم الأغنام لصاحب الزرع حتى ينتفع بألبانها وأدهانها وأصوافها ، وبأن يسلّم الحرث لصاحب الأغنام يتعهّده ويرجعه كما كان قبل الرعي ، وحينئذ يردّه إلى صاحبه ويستردّ منه أغنامه ، ويكون قد رجع لكلّ ذي حقّ حقه. فأعجب داود هذا الحكم من ابنه وحكم به معترفا أنه أوفق وأصلح وأنه يفسخ حكمه وإن كان صحيحا.
٧٩ ـ (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ... أي علّمناه الحكومة في ذلك ، وأعطيناه من لدنّا فهمها ومعرفتها (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) أي كل واحد من داود وسليمان عليهماالسلام ، أعطيناه الحكمة والعلم بأمور الدين والدنيا (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) أي كلّفناها أن تسبّح معه كما يسبّح وتقدّس كما يقدّس. ففي الإكمال عن الصادق عليهالسلام أن داود خرج يقرأ الزّبور ، وكان إذا قرأ الزّبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا أجابه.
ويحتمل أن يكون المراد بتسبيح الجبال هو ردّ صدى الصوت ودورانه